• Post published:30/03/2022

جارت الشعوب فجار الحكام  !

 

د . محمد بن إبراهيم الشيباني يستعرض جانب من المقتنيات النادرة في متحف مركز المخطوطات والتراث والوثائق
د . محمد بن إبراهيم الشيباني يستعرض جانب من المقتنيات النادرة في متحف مركز المخطوطات والتراث والوثائق

 

تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :

 

كثيراً ما أجد حين أقيّْم تحفة لأحدهم من الأزمنة الماضية سيفاً ، أو خنجراً ، أو آنية ، أو وثيقة ، أو مخطوطة ، عبارات حكيمة أو أشعاراً يلامس الكثير منها واقعنا المتغير المؤلم .

 

فقد نقل القرطبي المفسر عن حال قرطبة في زمانه ( ت 671 هجري – 1272م ) ، يرحمه الله ، من السوء والتجاوز وجور السلاطين والولاة .

 

الوديان والسهول
الوديان والسهول كما هي والناس هي المتغيرة !

فكان كثيراً ما يتمثل بالشعر والشعراء ، وينقل عنهم معاناتهم والظلم الواقع عليهم وعلى الناس كافة ، ومن تبدل الأوطان والناس من حال إلى آخر .

 

وكعهدك بأخ لك صحيح ، ثم تراه بعد ذلك سقيماً مُدنفا ، فتقول له : كيف أنت ، فيقول : أنا غير الذي عهدت ، فهو هو ،ولكن حاله تغيرت .

 

فقول القائل : أنا غير الذي عهدت ، وفي هذا المعنى قول الشاعر :

 

فما الناس بالناس الذين عهدتهم

 

        ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

 

ونُقل عن الأمام الشعبي – يرحمه الله – جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة رضي الله عنها ؟ ذمت دهرها ، وأنشدت بيتي لبيد :

 

ذهب الذي يُعاش في أكنافهم

             وبقيت في خلف كجلد الأجرب

يتلذذون مجانة ومذلة

        ويُعاب قائلهم وإن لم يشغب

 

فقالت : رحم الله لبيداً ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟ فقال ابن عباس : لئن ذمت عائشة دهرها ، لقد ذمت ” عاد ” دهرها ، لأنه وُجد في خزانة ” عاد ” بعدما هلكوا بزمن طويل سهم كأطول ما يكون من رماح ذلك الزمان مكتوب عليه :

 

بلاد بها كنا ونحن وأهلها

          إذ الناس ناس والبلاد بلاد

 

فالبلد باق كما هو ، لكن أحواله وأحوال أهله تنكرت وتغيرت .

 

وهكذا الحال ،لا تدوم كما كانت في الدول ، اياً ما كانت من الخير والرخاء ،وفرض سلطة القانون العادل ، فقول القائل : ” كما نكونون يُولي عليكم !” من اشتراك السلطة والمحكوم في البغي والتجاوز والجور .

 

فلو كان الناس على الخير والعدل ، وامتثال القانون المتعارف والمتعاهد عليه ، لكانت السلطة أو العادلين معهم وفق ذلك العهد، ولكنهم جاروا فجارت !

 

فالبناء هو البناء ، والجبل والسهل والوادي هي هي ، لكن المتغير حاله هو بنو الإنسان وحكامهم ، إن شاءوا جعلوها جنة ، وإن شاءوا جعلوها ناراً يصلي بها الجميع الديار والعباد !

 

والله المستعان ..

 

* الراعي والرعية :

 

قال صلى الله عليه ولم : ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” . متفق عليه

 

(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا

 

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً