• Post published:27/04/2024

 

 

مساحة رأي

 

الوجهاء الفقراء
الوجهاء الفقراء

 

تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :

 

من نكد الدنيا أن تدفعك بعض أمورك الحياتية اليومية إلى لقاء أو دعوة أو اتصال أو مرور الكرام ،أو صداقات لبريهة من الزمان بشخصيات أرفع منك مالاً أو منصباً أو وجاهة أو حظوة عند الكبار .

 

 

د . محمد بن إبراهيم الشيباني - رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
د . محمد الشيباني

 

فتجدهم مع زينتهم الظاهرية المخيفة ، كلماتهم ومخرجات حروفها كأنما ليست من لهجتنا ولا لغتنا من التشدق ولي الكلمات مع شيء من الكبر والاستعلاء والخيلاء ، كأنهم يريدون أن يقولوا لنا نحن يا معشر البهاليل البسطاء : ما الذي أتى بكم إلى مجالسنا ولماذا خالطتمونا ؟

 

 

إما الخروج أو الانفجار

 

انفجار

 

بل لو ألتقيت بواحد من هؤلاء في مكان ما على غير موعد أو لا تعلم بوجوده فيه ، تجد المجلس بعامته سكوتاً ينصتون لسفاهته أو مغامراته الوهمية أو لكذبه المبالغ فيه في أفعاله وسوء أقواله .

 

واحتراماً لصاحب المجلس ،أمامك خياران ، فإما أن تبقى فتسكت ، وإما أن تغادره بأسرع من الريح المرسلة ، قبل أن يتفاعل الدم في داخلك ثم يصيبك عوار رأس وبطن ، فيختلط الجميع على بعضه ، فتصبح كلك وكأنك خلاط بهورات أو فاكهة يختلط فيها التفاح بالرمان بالبرتقال بالموز ، فتصبح (مزيجاً) من الغضب ، فتتحول إلى نار تلظى ، فتشتغل الديوانية أو المكان جحيماً ،ورحم أمرأً عرف قدر نفسه .

 

هذا الجنس لا تعرف متى يودك ويميل إليك ، ولا متى يكرهك ويغضب عليك ، بل لا تدري متى يزعلون ومتى يرضون !! يتعب ويشقي من يصادقهم إن كانت مقاصده نبيلة .

في غيهم غافلون 

 

والسعيد من يغلق بابه مع هؤلاء  ، ويتركهم يشقون بأنفسهم ودنياهم وغفلاتهم ،لأنهم دائماً يختارون من يسبح بحمدهم ليلاَ نهاراً ،وأعني بذلك إضحاكهم ومدحهم والتزلف إليهم ، على الدوام ،وفي جميع الأوقات ،ولا يميلون مع الناصح الجاد الطاهر السريرة .

 

ومن عقدهم المزمنة أن الناس عند هؤلاء كلهم سواء ، لِمَا رأوا من كثرة المنافقين حولهم ،فإذا صحبهم الشريف البار بهم والحريص عليهم ، نبذوه وجعلوه مع الآخرين سواء.

الوجهاء الفقراء 

 

 فهؤلاء مع ما ذكرته  فقراء معرفة ، وفقراء دين ، وفقراء صحبة طيبة ، لا تريد إلا تهذيبهم ليستعدوا لما بعد الحياة ، فالحياة ليست كلها لعباً ولهواً ،  وتفاخراً بالسيارات وطول العمار وعرضه ، وكثرت السفرات ، وبعثرة الأموال يمنة ويسرة ، وإنما العلم فيها أكبر من ذلك ، فالجميع مستخلف بما أعطاه الله ويسر له ورفع قدره عن غيره من البشر ، فليحافظ  على تلك العطية ، قبل أن تزول بطرائق لا يحتسب كيف ضاعت وذهبت.

 

والله المستعان ..

 

*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا

 

لا مهرب :

 

” من يهرب من شيء تركه وراءه ، إلا القبر فما يهرب أحد منه إلا وجده أمامه ، هو ابداً ينتظر غير متململ وأنت ابداً متقدم إليه غير متراجع ” – الرافعي .

 

 

 

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً