• Post published:25/09/2022

من كتاب (أرض النخيل) – الحلقة (4)

الكويت في منظار الرحالة الهندي كرستجي في رحلته للمنطقة (1916-1917)

 

الديوانية قديما في المجتمع الكويتي
مجلس يضم وجهاء من الكويت ومواطنين حيث يتولي المقهوجي تقديم القهوة لرواد الديوان

 

تراثنا – التحرير :

 

في رحلة توثيقية قام بها الرحالة الهندي سي . أم . كرستجي إبان الحرب العالمية الأولى شملت موانيء عدة في الخليج العربي ،أنطلقت من بومباي إلى البصرة والعودة إليها (1916-1917م)، ونزل خلالها في الكويت في زمن الشيخ جابر المبارك وأخيه سالم ، وكتب مشاهداته عنها في كتابه (ارض النخيل) تقتبس تراثنا بعضا منه .

 

الرحالة كرستجي :

  • قصر الحاكم لا يتميز بطابع مهيب، رحب وواسع ، وله شرفات جميلة ، وله سلم خشبي خال من الزخرفة متخلخل ..لا يليق بالقصر !

  • الحراس والعساكر كانوا ينظرون لنا شزراً بعيون مرعبة ، وهم أشبه بفرسان صلاح الدين الذين صدوا الصليبيين وفرق الأعتقال التابعين ل ” حسن الصبَّاح” !

  • كان حرس الحاكم مدججين بتشكيلة متنوعة من الأسلحة ، كالبنادق بأنواعها الحديثة والقديمة، والمسدسات بمختلف أنواعها كافية لملء ترسانة صغيرة أو لتمثيل مسرحية حربية شرقية !

  • حاكم الكويت استقبلنا بحفاوة في قاعة تغص بأعضاء مجلس الدولة،ومعظمهم من الكهول “الوقورين المبجلين ذوي النفوذ” ووعد بالختام بزيارة الهند قريباً.

 

في الحلقة الرابعة ، يسرد الرحالة كرستجي قيامه مع وفد برفقة عبداللطيف المدير ” يرحمه الله ” بزيارة الحاكم آنذاك – يرجح أن يكون الشيخ جابر بن مبارك الصباح تبعا لتاريخ الأحداث-  حيث اسهب – كعادة الرحالة – في وصف الاماكن والشخوص والملابس والمباني وغيرها من مظاهر، والتي لا تخلو من الأسقاطات الثقافية والعقدية لدى الكاتب.

 

زيارتنا لشيخ الكويت

 

الشيخ جابر بن مبارك الصباح- يرحمه الله " ويكيبيديا"
الشيخ جابر بن مبارك الصباح “ويكيبيديا

 

 

احتفال برقصة العرضة
احتفال برقصة العرضة

يقول كرستجي : بعد أن أرسلنا مقدماً إشعاراً بقدومنا ، سرنا على أقدامنا مرة أخرى ، في طريقنا نحو قصر الحاكم ، وهو عبارة عن مبنى ملتوي ، يتكون من عدة وحدات إنشائية ، ويمتد فوق مساحة واسعة من الأرض.

 

وإذا كان هذا المبني لا يتميز بطابع مهيب فهو يتميز بالتأكيد بمنظر رائع ولربما يتميز أيضا بكونه رحباً فسيحاً ومريحاً ، كما يبدو جميلاً من خلال شرفاته  العديدة ، وسطوحه المنبسطة ، والمنظر العام الشامل الممتد إلى بعيد ، الذي يحيط به من كل جانب .

 

وبعد أن صعدنا فوق سلم خشبي خال من الزخرفة ومتخلخل إلى حد ما ، لا يتلاءم إطلاقاً مع وجوده في قصر ، دخلنا غرفة واسعة للانتظار ، مجاورة لقاعة مجلس الشيخ ، ولغرف المعيشة .

 

حراس الشيخ وعساكره 

 

كانت الغرفة مزدحمة بثلة متنوعة من اتباع الشيخ وحرسه الشخصي ، كما يقف خارجها الحراس والعساكر الذين كانوا ينظرون إلينا شرزاً بعيون مرعبة ، تواقة للقتال ، كما كانوا مدججين بتشكيلة متنوعة من الأسلحة ، كالبنادق بأنواعها الحديثة والقديمة ، والمسدسات بمختلف أنواعها ،و السيوف الطويلة ، والصوارم المعقوفة ،والسكاكين القاطعة ، والنصال الحادة ،و الخناجر ، والحراب ،والرماح، وجميع هذه الأسلحة كافية لملء ترسانة صغيرة أو لتمثيل مسرحية حربية شرقية !ّ

 

عبداللطيف العبدالجليل (المدير)- يرحمه الله
عبداللطيف العبدالجليل (المدير)

 

 

ويرتدي هؤلاء الرجال” البرنس” (1) والعباءات الطويلة المتهدلة البيضاء والسوداء والبنية والمخططة او المتعددة الألوان ، ويضعون على رؤوسهم الكوفيات المتدلية فوق أكتافهم ، ويلتف حولها حبال بيضاء او عقال صنع من شعر الجمال .

 

فهذه النخبة من العساكر ، تبدو مرعبة ومنفرة وملائمة تماماً لأداء الخدع الحربية والقيام بأعمال السلب والنهب وارتكاب أعمال القتل !!

 

الهجانة وحرس الحدود في الكويت قديما
الهجانة “حرس الحدود ” في الكويت قديماً

وبعض هؤلاء الرجلا يقفون في هيأة عسكرية ، وبعضهم الآخر يجلسون أو يستلقون على الأرض ، يثرثرون ويدخنون ، ويغفون كما يحلو لهم .

 

فرسان صلاح الدين 

 

وبإمكان المرء أن يتصور أن هؤلاء العساكر يشبهون أولئك الفرسان الضواري أتباع الأمير صلاح الدين ، الذين دحروا وصدوا الهجمات المتعاقبة للصليبيين أو يشبهون رسل القتل وفرق الاعتقال التابعين ل “حسن الصبَّاح ” الذي كان أسمه يثير الرعب في جميع أنحاء فارس وسورية وفلسطين ..!!ّ

 

غرفة الشيخ

 

وبعد أن مررنا عبر هذه النماذج من العساكر العرب ، الذين كانوا يتفرسون فينا ملياً ، تم إرشادنا نحو غرفة المجلس حيث قام صديقنا السيد عبداللطيف بتقديمنا إلى حاكم الكويت ، فالغرفة التي يتداول فيها الشيخ الرأي حول شؤون الدولة مع أعضاء مجلسه عبارة عن قاعة واسعة رحبة ، ذات سقف مرتفع مزخرف على نحو غريب ، بنقوش مذهبة مربعة الشكل ، وقد أقيمت في صدر الغرفة التي تطل على المرفأ منصة وُضع عليها كرسي كبير مُذهب .

 

 

طالع الحلقة (3) :

إفطار أوروبي في بيت عبداللطيف العبدالجليل بمطلع القرن ال20 ! 

 

ويصطف على جانبي القاعة عدد من الأرائك والمقاعد ، كما فرشت أرضية الغرفة بالسجاد الفاخر ، وعلقت على الجدار عند المدخل صورة ملونة زيتية لصاحب الجلالة الملك الأمبراطور جورج الخامس .

 

 

العبدالجليل والسديراوي واإلبراهيم والمرزوق كانوا أول من فتح والعبدالجليل والسديراوي واإلبراهيم والمرزوق كانوا أول من فتح مكاتب تجارية في الهند" الجريدة"
العبدالجليل والسديراوي واإلبراهيم والمرزوق كانوا أول من فتح والعبدالجليل والسديراوي واإلبراهيم والمرزوق كانوا أول من فتح مكاتب تجارية في الهند” الجريدة

 

حفاوة الاستقبال

 

كتاب أرض النخيل للرحالة سي . أم .كرستجي

وكان الشيخ أو حاكم الكويت الذي يحمل وسام فارس امبراطورية الهند من الدرجة الأولى جالساَ على كرسي الحكم فوق المنصة ، وقد استقبلنا بحفاوة بالغة ، ووقف مصافحاً لنا بيده ، وأجلسنا إلى جانبه الأسر على مقربة دانية من المنصة ، وهو رجل في الخمسين من عمره تقريبا أو أكثر من ذلك بقليل ، ألا أنه يبدو دون سنه الحقيقية ، إذ يتمتع بمظهر حسن ، وتبدو سيماؤه كئيبة إلا إنها تفصح عن ذكاء خارق .

 

وهو لا يتحدث الأنكليزية أو الهندية ، لذا فقد كانت وسيلة التخاطب بيننا معطلة ، وكانت القاعة غاصة بأعضاء مجلس الدولة ،و معظمهم من الكهول ” الوقورين المبجلين ذوي النفوذ ” أحدهم سبق له أن زار بومباي ، وهو يتحدث الهندية تقريباً ، وبمساعدته ومساعدة ترجماننا السيد عبداللطيف ، تبادلنا مع سموه محادثة قصيرة عادية ، دارت حول سفرنا وصحتنا ، وحول الطقس ، وحول بعض المواضيع الأخرى العابرة .

 

وقد قال لنا الشيخ أنه يعتزم زيارة بومباي عما قريب ، وقد تطوعنا بالطبع بتقديم خدماتنا إليه لكي نجعله نجعله يشعر بالراحة أثناء زيارته لنا ، وبعد تقديم القهوة ، أستأذنا بالانصراف(3) .

 

هامش :

1- تعقيب : البرنس : غطاء الرأس جزءا منه متصلا به .

2- تعقيب: “حسن الصَّباح : ( ت 1124) أسس فرقة سرية عرفت باسم (الحشاشين ) ، وكان زعيما لها ، اتخذت من قلعة ( ألموت ) الواقعة بجبال البرز في بلاد فارس قاعدة لها ، عمدت إلى إغتيال المناوئين لها .

3- نعقيب: توفي الشيخ الذي قابلناه بعد فترة قصيرة من زيارتنا له ، والشيخ الحالي هو شقيق الحاكم المتوفي ( المؤلف ) ..

ملاحظة : من المرجح أن الشيخ الذي قابله المؤلف أثناء زيارته في ديسمبر 1916 م ، هو الشيخ جابر بن مبارك الصباح ، الذي حكم الكويت من عام 1915 حتي وفاته في فبراير 1917 م ، عن عمر يناهز الأربعة والأربعين عاما ، وخلفه أخوه الشيخ سالم بن مبارك الصباح” يرحمهما الله ” .

 

يتبع لاحقاً ..

 

نقلا عن تراثنا العدد 82

مجلة تراثنا في عدد 82 يونيو 2022

أضغط على الغلاف للمزيد

 

 

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً