من كتاب (أرض النخيل) الحلقة (2)
الكويت في منظار الرحالة الهندي كرستجي في رحلته للمنطقة (1916-1917)
تراثنا – التحرير :
في رحلة توثيقية قام بها الرحالة الهندي سي . أم . كرستجي إبان الحرب العالمية الأولى شملت موانيء عدة في الخليج العربي ،أنطلقت من بومباي إلى البصرة والعودة إليها (1916-1917م)، ونزل خلالها في الكويت في زمن الشيخ جابر المبارك وأخيه سالم ، وكتب مشاهداته عنها في كتابه (ارض النخيل) تقتبس تراثنا بعضا منه .
في الحلقة الثانية ، نرصد جولة الرحالة كرستجي في أرجاء الكويت القديمة، برفقة عبداللطيف العبدالجليل (المدير) يرحمه الله ، وهي تعد استكمالاً لزيارته التي بدأها لمبنى الجمارك وسوق اللحم ، وساحة الصرافين ، مدوناً ملاحظاته وانطباعته عنها التي التي لم تخلو من المقارنة المجحفة ، مستنداً في احكامه على خلفياته المسبقة .
يقول كرستجي في كتابه ( أرض النخيل) : وفي مكان ليس ببعيد من هنا ،يوجد مبنيان متواضعان يتكونان من طابق واحد ، ويتميزان بالبساطة والخلو من الزخرفة ، كل منهما في جانب من هذه الساحة .
ويمضي قائلا: ويحل حاكم الكويت فيهما يومياً لإقامة العدل ، حيث يجلس في المبنى الأول صباحاً ، ويحل في المبنى الثاني الآخر عصراً (1) .
وهي عبارة عن مبنى مربع الشكل به فناء واسع ، وفصول عديدة تقع في الطابق الأرضي مجهزة بطاولات صغيرة الحجم منخفضة،وقطع من البساط أو السجاد ، وكتابات عربية ملصقة على الحائط ، بينما يشغل المدرسون الغرف العلوية.
المدرسة العربية
ويستكمل حديثه موضحاً : ويوجد في هذه المدرسة حوالي أربعمئة من الأولاد العرب الصغار ، حيث يجلسون القرفصاء على الأرض ، ويتلقون دروساً في القواعد والنحو العربي ، والقرآن والحديث والسنة ، ولا يجوز تعليم شيء آخر غير ذلك ، فالقاعدة الذهبية التي وضعها (عمر) (2) بالرغم من أنها تعتبر من اللاليء الزائفة في التاريخ ، إلا أنها لا تزال دون شك متبعة هنا ، إن كلام الله أو القرآن يفي بكل احتياجات البشر ، وما عداه أن يلقى به في النيران المحرقة !!
دعوة إلى لعب الكريكيت
وعندما استفسرت ، أخبروني أنه لا يتم تشجيع أي نوع من الألعاب الخارحية أو الرياضية هنا ، وقد أوصيت بادخال لعبتي الكريكيت والتنس الأرضي ، إلا أن مرشدنا العربي شخصياً ( عبداللطيف العبدالجليل) هز رأسه المتشكك وهو يبتسم .
وبامكان التصور أنه عندما يحصل الصبي العربي على الكرة الطائرة أو الطيارة الورقية أو الطوق المدور فسوف يكون في حالة أفضل من الناحيتين المعنوية والجسمانية ، ولكن الواضح أن العرب الكبار السن يعدون منثل هذا التغيير ضرباً من البدع والهرطقة (3) .
طرق جامدة وتفكير بالي
ويواصل الرحالة اسداء نصائحه مع رؤى مسبقة قائلاً : أتصور على أي حال أنه إذا كان للكويت، أن تسير مع الزمن فإن الكثير من هذه الأساليب الجامدة والطرق البالية للتفكير الذهني يجب ان تخضع إلى تغيير جذري شامل في المستقبل القريب ، وعلى مدير المدرسة أن يسافر كثيراً خارج بلدان أحفاد إسماعيل التي تعرضت لتخفيف الشمس ردحاً طويلاً من الزمن وتركت مهملة لقرون عديدة(4) !
بين الممرات والأزقة
بعد اجتيازنا لشبكة معقدة من الممرات الضيقة المركبة ، المحصورة من الجانبين ، بين البيوت ذات الأسطح المنسبطة المنخفضة ، والأبواب المتزعزعة ، والجدران البيضاء الشاحبة المجردة من الزينة والزخرفة (5) الخالية من النوافذ المطلة على الطرقات ، وصلنا إلى منزل “الدكتور كيلي ” واصطحبناه معنا .وذهبنا جميعاً للسلام على المعتمد البريطاني لكننا وجدناه غائباً .
طالع الحلقة الأولى
يتبع لاحقا ..
هامش :
1- لعله يقصد كشك مبارك الشمالي والجنوبي . طالع تقرير تراثنا .
2- تعقيب : هذه القاعدة لا أساس لها من الصحة ، ولم ترد على لسان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو غيره من الصحابة ، كما أن الخليفة عمر أول من أدخل أدوات التحديث والتطوير مع تنامي دولة الخلافة الإسلامية الناشئة ،مستفيدا من خبرات غير المسلمين ، فاحدث ديوان المحاسبة وديوان الجند وبيت المال وديوان الخراج وديوان البريد وديوان الصدقات والنفقات وديوان الشرطة وغيرها من مستلزمات التطور والتحديث مما لايتنافى مع تعاليم الإسلام بل يحث عليه .
3-تعقيب : من الأخطاء السائدة لدى الرحالة الأجانب هو ربط واقع الحال المتردي في المجتمع عادة بتعاليم بالإسلام في الوقت الذي حث فيه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام أتباعه إلى قوة البدن والصحة بقوله :” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير”و قول عمر “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل” الرياضة في الإسلام
4- بدلا أن يطرح الرحالة كرستجي حلولا للنهوض بقدرات الكويت ودعم قدراتها الاقتصادية ومواردها لترتقي قدراتها في ظروف الحرب العالمية الأولى ، فأنه يتحدث عن الرحلات للخارج ينتقد خلو المنازل من الزخارف وضيق الأزقة ولعب الكريكيت .. !!
5- المفارقة أن الهند هبت عليها رياح التغيير بفعل غزوات من قبل أمم وحضارات غيرها، وعلى رأسهم غزوات المغول المسلمين الذي وحدوا البلاد وبنوا حضارة في العمران والثقافة تعد مزارات عالمية مشهود لها حتى اليوم ، وقد حرص الاحتلال البريطاني على وأدها وتقطيع الهند على دويلات عدة لاضعاف سطوة المسلمين .