• Post published:20/01/2019

سلسلة في علم الحديث وتدوينه وجمعه

نبوغ علماء الهند في علم الحديث النبوي وخدمته ونشره في الأمصار 

 

 

تراثنا – التحرير :

 

تواصل ( تراثنا ) في الحلقة 16 إيضاح جهود علماء اهل الحديث في العناية بالسنة النبوية في القرن العاشر الهجري حيث نبغ علماء أهل الحديث في الهند فيه ، وأعادوا للسنة النبوية دورها الحقيقي ، وذلك في سياق نشر حلقات كتابتدوين الحديث النبوي في اربعة عشر قرناً ” من اصدارات مركز المخطوطات والتراث والوثائق “..( طالع الحقات كاملة ).

 

• غرس الشاه ولي الله الدهلوي شجرة علم الحديث في الهند فاشتدت شجرتها وانتشرت في البلاد والأمصار .

• كان تلاميذ ولي الله الدهلوي أئمة زمانهم في غزارة العلم وملازمة التقوي ونهاية الورع ورأسا في الأتقان .

• الرئيسة النواب سكندر بيكم أكرمت العالم اليمني حسين الانصاري وفوضت إليه دار الحديث وأمرته بتدريس علومه.

 

وجملة الكلام أن الشاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، غرس في الهند شجرة علم الحديث، فاشتدت هذه الشجرة وتمكنت وطالت أغصانها، وعلت وتشعبت قضبانها، وانتشرت حتى أحاطت البلاد والأمصار، وبلغت فروعها في جميع النواحي والأقطار.

 

علماء زمانهم

 

وتخرج بإفاضة علمه جماعة عظيمة قاموا بنشر علوم الدين وإشاعة السنة النبوية، وظهر بسعيه طائفة كبيرة اجتهدوا في ترويج علوم الحديث وتبليغه، منهم أبناؤه الكرام: الشيخ الأجل الشاه عبدالعزيز، والشيخ العلامة الشاه عبدالغني، والشيخ العلامة الشاه عبدالقادر رفيع الدين. ومنهم الشيخ العلامة محمد معين صاحب دراسات اللبيب، والعلامة القاضي ثناء الله صاحب التفسير المظهري، وغيرهم ممن لا يحصى عددهم، وكان كل واحد منهم إمام زمانه في غزارة العلم وملازمة التقوى ونهاية الورع والزهد رأساً في التحقيق والإتقان قد أشرب في قلوبهم حب الحديث واتباعه.

 

حشود من المسلمين الهنود في أحدى المناسباب الدينية
حشود من المسلمين الهنود في أحدى المناسباب الدينية

 

وامتاز من بينهم الشيخ الأجل مسند الوقت الفقيه المفسر المحدث الشاه عبدالعزيز بمزيد الاعتناء بعلوم الحديث والقرآن وسبقهم، وحين كان عمره سبع عشرة سنة توفي والده فانتقلت إليه وظيفة التدريس والافتاء والارشاد والهداية فأكب الناس عليه وصار مرجعهم في مهمات الدين والعلوم الشرعية، فلازم التدريس والارشاد إلى آخر عمره ودرس من سائر العلوم سيما الحديث والتفسير فإنه أقبل عليهما بشراهة ومجامع قلبه، واعتنى بترويجهما بما لا يستطاع بيانه، فنشأ بإفاضته العلمية كثير من العلماء العباد، والفضلاء، والنقاد، والجهابذة أولي الإصلاح والإرشاد؛ منهم المجاهد الكبير والبطل الجليل السيد العلامة الشاه محمد اسماعيل الشهيد ابن الشاه عبدالمغني وابن بنته المحدث البارع في الآفاق، الشاه محمد اسحاق الدهلوي المهاجر المكي، والشاه مخصوص الله ابن الشاه رفيع الدين، والشاه عبدالحي البدهانوي، والشيخ حسن علي الهاشمي اللكنوي وغيرهم.

 

تعليم الخط العربي في ولاية كارلا الهندية
تعليم الخط العربي في ولاية كارلا الهندية

 

رياسة الحديث

 

واختص من بينهم بكثرة العبادة والرياضة ومزيد الورع والتقوى، والتبحر في العلم والفضل، والسعي في الإصلاح والإرشاد وحسن الإفادة والإفاضة ابن بنته الكريمة الشيخ العلامة الشهيد في الآفاق محمد اسحاق المذكور، فجلس بعده مجلسه، وأفاد الناس بعلومه، وانتهت إليه رياسة الحديث في عصره، وتخرجت عليه جماعة كبيرة منهم الشيخ الأجل مسند الوقت السيد محمد نذير حسين الدهلوي، والشيخ محدث عبدالغني بن أبي سعيد المجددي الدهلوي ثم المدني، والنواب قطب الدين مؤلف «مظاهر حق»، والشاه فضل الرحمن المراد أبادي، والشيخ العلامة المحقق محمد بن ناصر الحازمي وغيرهم، ثم إنه هاجر إلى مكة المكرمة واستخلف من هو فرد زمانه وقطب أوانه رحلة الآفاق، شيخ العرب والعجم بالاتفاق، المجدد على رأس المئة الثالثة عشر المحدث المفسر الفقيه شيخنا الأجل محمد نذير حسين الدهلوي في إشاعة العلوم الحديثية، فولي التدريس والإفادة والإفتاء والوعظ والتذكير، ودرس الكتب من جميع العلوم المتداولة اثنتي عشر سنة. ثم غلب عليه حب تدريس القرآن الكريم والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا الفقه، فاشتغل بتدريس هذه العلوم الثلاثة إلى آخر عمره، أي سنة (١٢٧٠هـ) إلى سنة (١٣٢٠هـ)، فجميع مدة اشتغاله بتدريس هذه العلوم الثلاثة اثنتان وستون سنة، أفاد شيخنا بعلومه ونفع بإفاضاته خلقاً كثيراً لا يحصى عددهم، فأنارت بأنوار فيوضه البلاد، وأضاءت بأضواء علومه الأمصار، انتشر تلامذته في جميع أقطاع الأرض من الهند والعرب وغيرهما، فليس من بلدة ولا قرية إلا وقد بلغ بها نفحاته المكية، ووصل إليها فوحاته العلمية، سيقت إليه المطايا وشدت نحوه الرحال ليقتبس من أنوار معرفته، ويغترف من بحار علومه، ويتلقى من مكارم أخلاقه وشمائله. ويستمسك بمحاسن آدابه وفضائله. فله على رقاب الناس منن عظيمة، وأيادي جسيمة، أفنى عمره العزيز في إشاعة الدين، وصرف متاعه وماله في نشر العلوم الدينية، وترويج السنن السنية، لم يوجد مثله في زمانه، ولا بعده في علمه وفضله، وخلقه وحلمه، وجوده وتواضعه، وكرمه وعفوه، كثرة عبادته لربه، وخشيته له واتقائه، وورعه وزهده، وجميع الخصال الحميدة، والشيم المرضية والصفاة الجميلة والسمات الحسنة، وصنف تصانيف مفيدة تشهد له بطول الباع في العلوم والاطلاع على الكتب، وتدل على تبحره وسعة نظره وكثرة مطالعته وجودة حفظه، ودقة فهمه وإصابة فكره، حصل له من الشرف والفضل ما لم يحصل لأحد ممن عاصره، وبلغ من العلى والرفعة ما لم يبلغ غيره من معاصريه.

 

 

كتاب تدوين علم الحديث
كتاب تدوين علم الحديث

 

الشيخ حسين الانصاري

وممن سعى في نشر علوم الحديث في الهند واجتهد في إشاعة السنن النبوية وإحيائها وبذل مجهوده لإعلاء الدين المستقيم، وأفرغ جهده لإماتة المحدثات والمنكرات شيخنا المحدث المفسر الفقيه .. الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني، فإنه لما فرغ من تحصيل العلوم في بلاد اليمن جلس مجلس الإفادة فدرس وأفاض بركاته على بلاد العرب، ثم ارتحل في حياة الرئيسة المكرمة النواب سكندر بيكم إلى بوفال عند أخيه العلامة زين العابدين قاضي بوفال، ولقي الرئيسة المذكورة، فأكرمت نزله وفوضت إليه دار الحديث وأمرته بتدريس علوم الحديث. فانتفع به جمع كثير من علماء تلك البلدة وغيرها، وانتشر صيته في بلاد الهند، وطار ذكره في أقطارها، ورحل إليه طلبة الحديث من كل ناحية وتلمذ له جماعة من العلماء المشهورين بالفضل والكمال ممن لا يمكن حصرهم، ثم بعد سنة أو سنتين من قدومه استأذن الرئيسة المذكورة في الرجوع إلى بلدة الحديدة (في اليمن) فأذنت له فرجع إلى وطنه، ولما توفيت الرئيسة تولت الحكومة بنتها الرئيسة شاهجهار بيكم، وتزوجت بالسيد العلامة صديق حسن القنوجي، طلبت من شيخنا أن يتحول بأهله ويتخذها كالوطن، فأجاب دعوتها، ونزل بوفال، ولم يزل محطاً للطلاب صافياً يرده الرواد، وينثالون إليه من كل صوب وناحية، إلى أن توفاه الله تعالى سنة (١٣٢٧هـ) رحمه الله تعالى.

وأنشد بعض علماء الهند:

 

أيــا علمـــاء الهنـــد طــال بقـاؤكـــم وزال بفضل الله عنكم بلاؤكم

 

رجــوتـــم بعلـم العقـل فور ســعادة وأخشى عليكم أن يخيب رجاؤكم

 

فـلا في تصــانيـف الأثــير هــدايـــــة ولا في إشارات ابن سينا شفاؤكم

 

ولا طلعـت شمس الهدى من مطالع فأوراقها ديجوركم لا ضياؤكم

 

ولا كان شرح الصدر للصدر شارحاً بل ازداد منه في الصدور صداؤكم

 

وبازغــــة لا ضــوء فيهــا إذا بـدت وأظلم منها كالليالي ذكاؤكم

 

وســـــلمكــم ممــا يفيـــد تســــــفلاً ليس به نحو العلى ارتقاؤكم

 

فمــا علمكــم يـوم المعــاد بنــافـــع فيا ويلتي ماذا يكون جزاؤكم

 

أخذتــم عــلوم الكفــر شرعاً كأنما فلاسفة اليونان هم أنباؤكم

 

مرضــتم فزدتـــم عــلة فــوق عـلة تداووا بعلم الشرع فهو دواؤكم

 

صحاح حديث المصطفى وحسانه شفاء عجيب فليزل منه داؤكم

 

حلقات سابقة

 

 

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً