• Post published:26/01/2021

وقفات مع إذاعي وروائي فقدته الكويت ( الجزء 1 )

من  الكتاتيب والدراسة المسائية إلى صاحب منتدى نخبة الأدباء والشعراء والمثقفين

الفقيد سعود الجمران - يرحمه الله - يتوسط جمع الأقارب والمحبين
الفقيد سعود الجمران – يرحمه الله – يتوسط جمع الأقارب والمحبين

تراثنا – التحرير :

رحل عن دنيانا إلى جوار ربه وواسع رحمته الأديب والروائي الإعلامي المخضرم سعود بن غانم بن محمد الجمران* في 30 من ديسمبر عام 2020 م ، وهو من الشخصيات التي لها حضورها المميز في تاريخ الكويت الحديث على مختلف الأصعدة الوطنية والأدبية .

بصمة الفقيد سعود الجمران ” يرحمه الله ” ذات خصوصية مميزة ، ولمسات تفرد بها ، لا سيما فيما يتعلق بشؤون آدب البادية وفنونها المختلفة، حيث وجدت طريقها إلى الإذاعة الكويتية في بداياتها على يديه ، وكان من الرواد الإعلاميين في انطلاقتها منذ بدء نشأتها ..

الأديب سعود غانم الجمران - يرحمه الله
الأديب سعود غانم الجمران – يرحمه الله
  • شارك جد سعود الجمران في معركة الصريف مع الشيخ مبارك الصباح ولقبوه جماعته ب ” الجمران ” لحمرة بشرته فاشتهر بها وأسرته .

  • تمتع سعود الجمران بذوقية عالية في شعر الحاضرة والبادية وقدرته على تركيب الدوائر الشعرية في بعضها البعض ونسبة الأبيات إلى قائلها .

  • كان ديوانه منتدى وملتقى الشعراء والأدباء والمفكرين وتمتع بقدرة على إدارة الحوارات وسلاسة وجزالة ثقافته وسعة اطلاعاته .

  • ليلة تهديدات عبدالكريم ضم الكويت للعراق تداعى الجمران والجماهير الغاضبة إلى قصر نايف ففزعوا بصيحة الغضب الشهيرة: يا أبو سالم عطنا سلاح !

الباحث في الشأن التاريخي والإعلامي فهد معيوف الشمالي العجمي خص موقع تراثنا بنبذه عن سيرة الجمران – يرحمه الله – وبيَّن لنا كثير من جوانب شخصيته المميزة الخلوقة بحكم تواصله وتردده على ديوانه في منطقة أشبيلية ، الذي كان أشبه بمنتدى ثقافي أدبي جمع تحت سقفه المثقفين والمفكرين والشعراء .

الباحث والإعلامي فهد معيوف الشمالي العجمي
الباحث والإعلامي فهد معيوف الشمالي

والده وجده

والشيء بالشيء يذكر ، فلا بد من التنويه بأن والد الأديب وهو ( غانم بن محمد جمران العجمي ) يرحمه الله ، وُلد في 1901 م، سنة ( معركة الصريف ) وكان والده محمد بن جمران قد شارك في الصريف مع حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح ” يرحمهما الله “، يُشار إلى أن اسم جده الأصلي ( هادي ) ولكن لقبوه جماعته ب (جمران) لحمرة بشرته .

غانم محمد الجمران- يرحمه الله
غانم محمد الجمران

وفي خلفية سريعة عن طبيعة عمله ، فقد أجاز في عام 1947م م المعتمد البريطاني في الكويت الكولونيل دكسون لوالد الفقيد العمل في شركة البترول KOC بالأحمدى عند بداية نشاطاتها ، كما عمل مسؤولاً عن حماية أول محطة تقطير للمياه الحلوة في الشويخ التابعة لدائرة الأشغال العامة عام 1953 م ، حتي تقاعد عام 1967 م . وكانت تربطه صداقة بالشيخ علي الخليفة الصباح وشيوخ الكويت ، كما لم تنقطع زياراته للرياض وزياراته للملك عبدالعزيز آل سعود حيث موطن ومنبع قبيلة العجمان  شيوخها وكبرائها .

التعلم والكتاتيب

وبالعودة إلى الفقيد – يرحمه الله – يتحدث الباحث الشمالي عن نشأته وتعلمه فيقول : ” كانت بداية تلقيه العلم لدى الكتاتيب على يد امام مسجد من سلطنة عمان من مدينة صور ، حيث تعلم لديه حفظ القرآن وعلوم الكتابة والقراءة والعربية والحساب، مما نمى لديه موهبة الحفظ ، وقوة اللغة العربية ، ثم أكمل دراسته في المعهد الديني ، وانهى دراسته في الفصول المسائية في ثانوية مدرسة الصليبخات .

منذ لحظة اللقاء به تتلمس دماثة الأخلاق ورقة المشاعر ، يقول الباحث الشمالي عن الفقيد الراحل سعود بن غانم بن محمد الجمران من آل ضروان من آل سليمان العجمي – يرحمه الله – مشيرا إلى أنها صفة ملازمة لشخصيته المحبة لإشاعة أجواء الود والتواصل مع الأخرين .

في بدايات استخراج النفط من آبار الكويت
في بدايات استخراج النفط من آبار الكويت

ذوقية عالية

المعتمد البريطاني هارولد ديكسون
المعتمد البريطاني هارولد ديكسون

ويمضي إلى القول : المقربون من مجلسه يعرفون طريقته في ادارة الحوارات، ويدركون مدى تمتعه بذوقية عالية في شعر أهل البادية والحاضرة على حد سواء ، وجزالة قدرته في المعاني وتركيب الدوائر الشعرية في بعضها البعض ، ومعرفته الواسعة ببحور الشعر ومن هو قائل الأبيات ، مشيراً إلى ان الجمران وظف خبرته الواسعة في الاشراف على ترجمات الكتب بما لديه من باع طويل في رجال البادية ومروياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأشعارهم .

الديوان الثقافي 

وعن سكناه يوضح : تنقل الأديب الجمران إلى مساكن عدة خلال حياته ، وكان أول سكن له في صغره مع أهله في المقوع ، ثم انتقل إلى خيطان ، وفي أواخر الستينيات انتقل إلى بيوت الحكومة في منطقة الصليبخات حيث كان مسكن والده ، ثم كان له سكنه الخاص به في الرابية ، واستقر في آخر سكن له في منطقة أشبيلية على الشارع العام مقابل الفروانية .

جانب من المظاهرات الجماهيرية التى عمت الكويت منددة بمطالبات العراق بضم الكويت إليها إثر استقلالها عام 1961 م
من المظاهرات الجماهيرية التى عمت الكويت منددة بمطالبات العراق بضم الكويت إليها إثر استقلالها عام 1961 م

وعن طبيعة ديوان الفقيد الجمران قال : كان لديه ديوان يحضره كثير من الادباء والمفكرين والشعراء ، وكان بمثابة منتدى كبير للثقافة والمثقفين، وقد تشرفت بالتواجد في ديوانه بصفتي باحث شمالي ، جاء ذلك تلبية لدعواته حيث يدير الحوارات والنقاشات ، وكان – يرحمه الله – رجل مبدع ، ويتمتع بسلاسة ادارة الحوارات بين ضيوفه بما من واسع ثقافة واطلاع .

*طالع الجزء الثاني:( وقفات مع عطاءات غانم سعود الجمران ..) .

تغريدة عن سعود غانم الجمران ومؤلفاته في فنون البادية والأدب - يرحمه الله
تغريدة عن سعود غانم الجمران ومؤلفاته في فنون البادية والأدب ،

ملكة الدقة 

وعن أول لقاء جمعه بالأديب يقول : أول مرة التقيت به كان في معرض الكتاب، وكنت أراه مع الباحث مهنا المهنا ، والراوي الأديب طلال الموعد الشمري ، وكان يحب النقاش وأثارة المواضيع من خلال اطلاعاته على الكتب وإثراء معرفته.

الشيخ صباح السالم الصباح
الشيخ صباح السالم الصباح

ويستطرد : وقد سألني في حينها عن اسمي فأخبرته ، فجاء على ذكر رواية عن جدي عبدالله الشمالي ” يرحمه الله ” ذكر تفاصيلها بعناية ، وكأنه أحد الأطراف الذين حضروا حادثتها، و هي ملكة تؤهله نقل نص الرواية كما سمعها بتسلسل احداثها .

الجمران والإذاعة الكويتية 

وفيما يتعلق بدوره الإعلامي في اذاعة الكويت يقول : تم تعيينه في عام 1960 م بالإذاعة الكويتية شهر يناير ، وكان رئيس الاذاعة آنذاك الشيخ عبدالله مبارك الصباح نائب الامير ورئيس الاذاعة حينها ” يرحمه الله “، وكان من القائمين عليها محمد توفيق الغصين ” يرحمه الله ” ،وهو أحد الأعلاميين البارزين في فترة الأربعينيات والخمسينيات ، وله خلفية إعلامية بالعمل لدى اذاعات عالمية عدة عمل بها ، كما كان له دور كبير في تأسيس اذاعة الكويت في بدء انطلاقها .

يا بوسالم عطنا سلاح 

ولم يتوقف دور الأديب الروائي والإعلامي سعود بن غانم الجمران عند حد الثقافة وفنون الرواية ، بل كان له دوره الوطني في الدرء عن حمى الوطني منذ بداياته ، حيث يفيدنا الباحث الشمالي بأن الفقيد في عام1961م ، حينما طغت احداث مطالبات عبدالكريم قاسم الباطلة بضم الكويت للعراق ، برز هذا الشاب ( سعود الجمراني ) في هذا الموقف واتجه إلي ساحة الصفاة ، وينقل عنه في احد مجالسه : ” ما قدرت انام بالليل عند سماعي تلك الادعاءات والافتراء ، فأتجهت إلى ساحة الصفاة ، والتقيت بالشباب المتجمع هناك ، وخطبت بهم ، وحمستهم ، واتجهنا جميعا إلى” قصر نايف “، وهناك انطلقت أصوات الشباب بصوت واحد تناشد سمو الأمير صباح السالم الصباح ” يرحمه الله ” : يا أبو سالم عطنا سلاح ” ! ، فزعة للوطن وسيادته على أرضه وعزته .

ذكريات التحديات

ولا شك أن ممن أمد الله في أعمارهم وبارك لهم فيها ، وعاشوا تلك الوقائع ، يستذكرون هذه السطور ، ويعيشون لحظاتها رؤيا العين ، وتعيدهم إلى أجواء مفعمة بالحماس وفورة الشباب وتحدياته،  وتذكرهم بإيام مضت ..نسأل الله المغفرة والرحمة للأموات منهم ، وأن يبارك في الأحياء ويمدهم بالعافية وقبول صالح العمل  .

يتبع لاحقا الجزء الثاني والأخير من التقرير

*مواليد عام 1945م كما افادنا الباحث فهد الشمالي عن حفيد الفقيد  د. عبدالله خالد سعود غانم الجمران .

تواصل معنا 

اترك تعليقاً