• Post published:06/07/2022

دفاعا عن السنة النبوية (الحلقة4)

الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام

 

العلامة ناصر الدين الألباني - يرحمه الله
العلامة ناصر الدين الألباني – يرحمه الله

 

تراثنا – التحرير :

 

تستأنف تراثنا نشر مناقشة العلامة ناصر الدين الألباني – يرحمه الله – آراء جانبها الصواب ، ردت نصوص شرعية صحيحة ثابته من السنة النبوية ، تارة بآراء مذهبية وقياسات عقلية وأخرى بتقديم آراء رجال على نص ثابت من السنة بدعاوي عدة منها أنه آحاد او بخلاف ما عليه العمل ، نقلا عن رسالة (الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام – للألباني *)  .

 

الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة

 

التأدب بآداب طلب العلم منذ الصغر
التأدب بآداب طلب العلم منذ الصغر

إن هناك أدلة أخرى أخص في الدلالة مما سبق على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة ، أرى أنه لا بد من التعرض لذكر بعضها ، وبان وجه دلالتها :

 

الدليل الأول : قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة – (122) ) .

 

فقد حض الله تبارك وتعالى المؤمنين على أن ينفر طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منه دينهم ، ويتفقهو فيه ، ولاشك أن ذلك ليس خاصاً بما يسمى بالفروع من الأحكام بل هو أعلم ، بل المقطوع به أن يبدأ المعلم والمتعلم بما هو الأهم فالأهم تعليماً وتعلماً .

 

ومما لا ريب فيه أن العقائد أهم من الأحكام ، ومن أجل ذلك زعم الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد ، فيبطل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة ، فإن الله تعالى كما حض فيها الطائفة على التعلم والتفقه عقيدة وأحكاماً ، حضهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه من العقائد والأحكام .

 

و (الطائفة) في لغة العرب تقع على الواحد فما فوق ، فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً ، لما حض الله تعالى الطائفة على التبليغ ، حضا عاما ، معللا ذلك بقوله : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) الصريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة ، فإنه كفوله تعالى في آياته الشرعية الكونية : (  لِقَوْمٍ ) ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، ( لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) ، فالآية نص في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدة وأحكاماً .

 

الدليل الثاني : قوله تعالى ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) الإسارء -36 ، اي لا تتبعه ، ولا تعمل به ،و من المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يقتفون أخبار الآحاد ، ويعملون بها ، ويثبتوه بها الأمور الغيبية ، والحقائق الاعتقادية ، مثل بدء الخلق ، وأشراط الساعة ، بل ويثبتون بها الله تعالى الصفات .

 

فلو كانت لا تفيد علماً ، ولاتثبت عقيدة ، لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد وقفوا ما ليس لهم به علم ، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالي في ” مختصر الصواعق ” 396/3 وهذا مما لا يقوله مسلم .

 

 

رحلة الامام البخاري في طلب العلم
رحلة الامام البخاري في طلب العلم

 

 

الدليل الثالث : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) الحجرات – 6 ، وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا) ، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة قائمة به ، و أنه لا يجب التثبت بل يؤخذ به حالاً ، ولذلك قال أبن القيم رحمه الله تعالى في الإعلام ( 394/3) : ” وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت ، حتى يحصل العلم ، ومما يدل عليه أيضا أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ،وفعل كذا ، وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة ، وفي صحيح البخاري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع ، كثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل ، وجزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نسب إليه من قول أوفعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم ، لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم “.

 

 الدليل الرابع : سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد : إن السنة العملية التي جرى عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حياته وبعد وفاته تدل أيضا دلالة قاطعة على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة و الأحكام ، وأنه حجة قائمة في كل ذلك .

 

أحاديث الأحاد في البخاري 

 

صحيح البخاري
صحيح البخاري

 وأنا أذكر الآن بإذن الله بعض مما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة ، قال الأمام البخاري رحمه الله في صحيحة (132/8) :

 

” باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الآذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ، وقول الله تعالى : ( فلولا نفر من كل منهم طائفة ..يحذرون ) ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية ، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو) اوكيف بعث الني صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدا بعد واحد ، فإن سها أحد أخذ منهم رُد إلى السنة ” .

 

ثم ساق البخاري أحاديث مستدلاً بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد ،والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة ، فاسوق بعضاً منها :

 

وهنا يسوق العلامة الألباني الأدلة  شارحا لها ، نذكرها  هنا  من كتابه على سبيل الايجاز :

 

– الأول : عن مالك بن الحويرث قال ” أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ومحن شببةٌ (1) متقاربون ، فأقمنا عنده نحو من عشرين ليلة وكان رسول الله رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد أشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا ، سلنا عمن تركنا بعدنا ، فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ، وعلموهم ومروهم ، وصلوا كما رأيتموني أصلى”.

 

-الثاني :عن أنس بن مالك : أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام ، قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال : هذا أمين هذه الأمة ” اخرجه مسلم (29/7) ورواه البخاري مختصراً .

 

-الثالث : عن عبدالله بن عمر قال ”  بينا الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت ، فقال إن رسو الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ،وكانت وجوهم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة ” .رواه البخارى ومسلم .

 

الرابع : عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل ، فقال ابن عباس : كذب عدو الله ، أخبرني أبي بن كعب ، قال : خطبنا رسول الله ، ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيىء يدل على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر ” . أخرجه الشيخان مطولا ، والشافعي كذلك مختصرا وقال : ( 1319/443) :

 

 

طالع حلقات : دراسة تناقش حجية أحاديث الآحاد في العقيدة والأحكام للعلامة الألباني .

 

 

الشافعي يثبت العقيدة بخبر الواحد 

 

” فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكذب به أمرءأً من المسلمين ،إذ حدثه أبي بن كفب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحب الخصر ” .

 

قلت : وهذ القول من الشافعي رحمه الله دليل على أنه لا يرى التفريق بين العقيدة والعلم في الاحتجاج بخبر الآحاد ،لأن كون موسى عليه السلام هو صاحب الخضر عليه السلام هي مسألة علمية وليست حكماً عملياً كما هو مبين ، ويؤيد ذلك أن الأمام رحمه الله تعالى عقد فصلاً هاما في “الرسالة ” تحت عنوان “الحجة في تثبيت خبر الواحد ” وساق تحته أدلة كثيرة في الكتاب والسنة ..الخ .

 

يتبع لاحقا : عدم الاحتجاج بحديث الآحاد بدعة محدثة

 

 

كاتب وكتاب 

 

كتاب الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام للعلامة الألباني - يرحمه الله

 

كتاب (الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام) رسالة للعلامة محدث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – يرحمه الله ، تقع في 68 صفحة صغيرة الحجم ، انتقاء من مكتبة الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد -يرحمه الله ، مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .

تواصل مع تراثنا

اترك تعليقاً