• Post published:05/01/2019

 

الحلقة (15)

مُنتقى من (تدوين الحديث النبوي في أربعة عشر قرناً)

 

المسجد الجامع في دلهي
المسجد الجامع في دلهي ( صورة )

تراثنا – التحرير :

 

تستكمل تراثنا في الحلقة (15) نشر مقتطفات  من كتابتدوين الحديث النبوي في أربعة عشر قرناً ” كاشفة جهود العلماء الافاضل في الذب عن سنة الرسول صلى الله وسلم من الضياع وتنقيتها من الأكاذيب والموضوعات.

 

نواصل في هذه الحلقة نستعرض دور علماء الحديث من أهل الهند في الذب عن السنة النبوية الشريفة ، (الكتات كامل ) .

  • أكثر العلماء والأدباء يجهلون علم الحديث، فلا يميزون بين ما صح وما لم يصح، بل ينقلون المنكرات والموضوعات منه .

  •  بعض المقلدين الجاحدين من لا يرى لكتب الأحاديث النبوية فائدة إلا التبرك بها، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره !

  • ألعلامة حسن صديق: لم يكن في الهند علم حديث منذ فتحها الإسلام بل كان غريباً كالكبريت الأحمر، وعديماً كعنقاء مغرب في الخبر!

  • ضعفت العناية بالحديث في الشام ومصر والعراق في القرن العاشر فجاء دور علماء الهند ليعتنوا به فأصبحوا مركزا يشد له الرحال .

السُنة في القرن العاشر 

 

يستهل هذا القرن مثله مثل غيره من القرون بوفرة العلماء وحفظة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أولئك جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (٨٤٩-٩١١ هـ) الذي قعد قواعد إضافية لعلم مصطلح الحديث بوفرة كتبه ومؤلفاته في العلوم المتنوعة ومنها هذا العلم فأخذ حظه منه فأكرمه الله بوضع لبنة من لبنات صيانة وعناية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهذا الإمام من المكثرين في فن التأليف وتعدده فقد ألف في «الجوامع» وهو ما تذكر فيه جميع أقسام الحديث الثمانية، و«المسانيد» وهي ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة على حروف التهجي أو السوابق الإسلامية أو على القبائل والأنساب، و«المعاجم» وهي ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الشيوخ أو القبائل، وألف في «الأجزاء الحديثية» وهي ما جمع الأحاديث المروية عن رجل واحد، أو جمع ما يتعلق بمطلب من المطالب، وألف في «الموضوعات» وغيرها من الفنون الحديثية مثل «الأحاديث المشتهرة» كما في مصنفه «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وهي الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة الناس ويدخل فيها الصحيح والضعيف والموضوع وغيرها، وشرح سنن النسائي، وله في الأربعينيات الحديثية وهي التي تجمع أربعين حديثاً في فنون وعلوم شتى من الحديث النبوي مثل: «أربعون حديثاً من الصحاح والحسان» و«أربعون حديثاً في قواعد الأحكام الشرعية وفضائل الأعمال» و«أربعون حديثاً في فضل الجهاد» و«أربعون حديثاً في الطيلسان» وغيرها كثير، وألف في الحديث المتواتر في مثل كتابه «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» وكتاب «تدريب الراوي» واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة”

 

.

 

فهذا واحد من أعلام الأمة في بلدة القاهرة وهناك الكثير من أقرانه في هذه الديار أمثال السخاوي (ت ٩٠٢ هـ) وأحمد بن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ) وهناك في عصره من العلماء الذين عُنوا بالحديث وفنونه في الديار الأخرى في عصره مثل العراق والشام والمغرب والأندلس واليمن ما الله به عليم.

 

٭ عناية أهل الهند بالحديث

 

إن الحياة الدينية العلمية التي بعثت الأولين على تصنيف تلك الأسفار العظيمة، قد عرض لها أمراض روحية وسياسية كثيرة، انتهت بالمسلمين إلى هجرها هجراً غير جميل، حتى صار أكثر علمائهم وخطبائهم وأدبائهم يجهلون علم الحديث، فلا يميزون بين ما صح منه وما لم يصح، بل ينقلون المنكرات والموضوعات منه. ويحتجون بها حتى في أصول العقائد وأحكام العبادات والقضاء، لأنهم على جهلهم لها، وعدم تمييزهم بينها، ينقلونها من كتب الأدب والتصوف والمواعظ والتواريخ والقصص، وكذا أكثر كتب التفسير والفقه، فأمسينا في فقر مدقع من سنة نبينا وأخباره. وفي خزائن كتبنا من كنوزها العظيمة ما لو استخرجناه وانتفعنا به لكنا أغنى الأغنياء، ولملأنا الدنيا بما فيها من العلم والحكمة، بما منّ الله به على أهل عصرنا من نعمة المطابع، وتعميم المواصلات وسرعتها بين الأقطار الشواسع، حتى صار جمع تلك الثروة الواسعة من كتب الحديث وشروحها سهلاً على كل من يريده، ولكن بعد أن قل من يريده، حتى إن من المقلدين الجاحدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها، والصلاة على النبي عند ذكره وذكرها

!

 

 

دور علماء الهند

 

كتاب تدوين علم الحديث
كتاب تدوين علم الحديث

ولولا عناية إخواننا علماء الهند- بتوفيق من الله تعالى- بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة. حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر.

 

دخلت الهند حلبة علم الحديث متأخرة (القرن العاشر) ولكنها سبقت كثيراً من الأقطار، ونهض منها الأئمة الكبار، وانتهى اليهم تدريس هذا الفن والقيام بحقوقه، حتى أصبحت هذه البلاد مركزاً لهذا الفن الشريف يشد إليه الرحال ويضرب فيه أكباد الابل.

 

فمن يرجع إليهم الفضل في نشر هذا الفن في هذه البلاد (عدا الأئمة الأعلام والمحدثين العظام) كالشيخ علي المتقي والشيخ محمد طاهر الفتني والشيخ عبدالحق الدهلوي والشيخ ولي الله بن عبدالرحيم الدهلوي والقاضي ثناء الله الباني والشيخ عبدالعزيز الدهلوي) وهم الشيخ راجح بن داود الكجراتي (ت ٩٠٤هـ) والشيخ عبدالأول بن علي بن العلاء الحسيني الجونبوري صاحب «فيض الباري شرح صحيح البخاري» (ت ٩٦٨هـ) والشيخ عبدالله بن سعد الله السندي (ت٩٨٤هـ) والشيخ عبد رب النبي بن أحمد الكنكوهي (ت٩٩١هـ) والشيخ رحمة الله بن عبدالله السندي (ت٩٩٤هـ) والشيخ أحمد بن إسماعيل الندوي والشيخ عليم الدين الندوي .

 

٭ في شيوع علم الحديث في الهند

 

قال العلامة حسن صديق: اعلم أن الهند لم يكن بها علم الحديث منذ فتحها أهل الإسلام، بل كان غريباً كالكبريت الأحمر، وعديماً كعنقاء مغرب في الخبر، وإنما صناعة أهلها من قديم العهد والزمان فنون الفلسفة وحكمة اليونان والإضراب عن علوم السنة والقرآن إلا ما يذكر من الفقه على القلة. ولذلك تراهم إلى الآن عارين عن ذلك متحلين بما هنالك. وعمدة بضاعتهم اليوم هي الفقه الحنفي على طريق التقليد دون التحقيق إلا ما شاء الله تعالى في أفراد منهم .

 

عمت بلوى التقليد

 

الشيح ولي الله الدهلوي
الشيح ولي الله الدهلوي

ولأجل هذا يتوارثه أولهم عن آخرهم، ويتناقله كابرهم عن كابرهم، حتى كثرت فيهم الفتاوى والروايات، وعمت البلوى بتعامل هذه التقليدات، وتركت النصوص المحكمات، وهجرت سنن سيد البريات، ورفض عرض الفقه على الحديث وتطبيق المجتهدات بالسنن، ودرج على ذلك زمان كثير حتى منّ الله تعالى على الهند بإفاضة هذا العلم على بعض علمائها، كالشيخ عبدالحق بن سيف الدين الترك الدهلوي (ت١٠٥٢هـ) وأمثالهم وهو أول من جاء به في هذا الإقليم، وأفاضه على سكانه في أحسن تقويم، ثم تصدى له ولده الشيخ نور الحق (ت١٠٧٣هـ)، وكذلك بعض تلامذته على القلة. «ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها»، كما اتفق عليه أهل الملة.

 

وتحديث هؤلاء أهل الصلاح وإن كان على طريق الفقهاء المقلدة الصراح دون المحدثين المبرزين المتبعين الأقحاح، ولكن مع ذلك لا يخلو عن كثير فائدة في الدين، وعظيم فائدة بالمسلمين، جزاهم الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء.

 

ثم جاء الله سبحانه وتعالى بعدهم بالشيخ الأجل والمحدث الأكمل ناطق هذه الدورة وحكيمها، وفائق تلك الطبقة وزعيمها، الشيخ ولي الله بن عبدالرحيم الدهلوي (ت١١٧٦هـ) وكذا بأولاده الأمجاد، وأولاد أولاده أولي الإرشاد المشمرين لنشر هذا العلم عن ساق الجد والاجتهاد، فعاد بهم علم الحديث غضاً طرياً بعدما كان شيئاً فرياً. وقد نفع الله بهم وبعلومهم كثيراً من عباده المؤمنين، ونضر بسعيهم المشكور من فتن الإشراك والبدع ومحدثات الأمور في الدين ما ليس بخاف على أحد من العالمين. فهؤلاء الكرام قد رجحوا علم السنة على غيرها من العلوم، وجعلوا الفقه كالتابع له والمحكوم.

 

وجاء تحديثهم حيث يرتضيه أهل الرواية، ويبقيه أصحاب الدراية، شهدت بذلك كتبهم وفتاواهم، ونطقت به زبرهم ووصاياهم، ومن كان يرتاب في ذلك فليرجع إلى ما هنالك، فعلى الهند وأهلها شكرهم ما دامت الهند وأهلها:

 

من زار بابك لم تبرح جوارحه     

 

  تروي أحاديث ما أوليت من منن

 

فالعين عن قرة والكف عن صلة

 

 والقلب عن جابر والسمع عن حسن

 

 

يتبع لاحقاً ..

 

 

تواصل مع تراثنا 

 

 

اترك تعليقاً