الحلقة الأولى 

الإلحاد : أسبابه ، طبائعه ، مفاسده ، أسباب ظهوره ، علاجه 

 

 

تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :

 

تصدى علماء الإسلام منذ الصدر الأول لظاهرة الإلحاد ، ولم تكن حينها تختص بإنكار وجود الخالق، كما شاعت في هذا العصر ، بل كل ميل عن آيات الله وإنكارها والاستكبار عليه عُد إلحاد عن الحق .

 

ويقول ابن قتيبة في غريب الحديث : كما في قوله تعالى ( إن الذين يلحدون في آياتنا) أي يجورون ويعدلون (عن الحسن ) ومنه سمى اللحد ، لأنه في ناحية ، ولو كان مستقيما لكان ضريحا  .

 

• الملحد يضع إلحاده على طرف لسانه أو على ظاهر يده ، فيريك ما في صدره ، وإذا جلس إلى المؤمنين حاول أن يضع بينهم وبين ما في نفسه حجاباً مستوراً !

• انشغال الوالدين عن تربية الأبناء إسلامياً ، وضعف نفس الفتى في مقابل  قوة نفس الملحد وبراعته في الإساءة للعقيدة ، وتغلب الشهوات وغيرها من أسباب التهيئة للإلحاد .

 

 

وقد أدلى العلماء والمختصين كل بدلوه في معالجة أسباب تفشي الإلحاد بمؤلفات وندوات وبحوث قيمة ، وفي رسالة طُبعت عام (1406- 1986م )  ناقش  الأمام محمد الخضر حسين – يرحمه الله – في رسالة كتبها ( الألحاد ) اسبابه ، طبائعه ، مفاسده ، أسباب ظهوره ، علاجه ، فكانت وافية .

 

وقد كان لي الدور بالتقديم والتعليق على مادة الرسالة – بفضل الله –  بما يقتضي ربطها بواقع ما يجري من أحداث مرتبطة بالالحاد ورجالاته في وطننا العربي  ، وتوسع مفاهيمه العصرية وتفرعاتها المنبثقة منها من ليبرالية وعالمانية وربوبية ولا أدرية وربوبية وغيره..، وأثره على مجريات الحياة ،وافساد الأجيال والبلاد .

 

 يكشفون ما في صدورهم 

 

في بدء حديثه ، بعد ثناءه على الله و حمده والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام ، يقول الإمام  محمد الخضر حسين :

 

من الناس  من يضع إلحاده على طرف لسانه ، او على ظاهر يده ،فيريك في ما صدره ، وهذا قد جعلك في حل من أن تسميه ملحداً .

 

ولم يحوجك إلى ان تنبه الناس لضلاله ، أو تنصح لم بالاحتراس من أقواله ، إلا أن تعمد إلى ما يطعن به في الدين ، فتكشف عن وجوه فساده ، وتدفعه بالحجة .

 

ومن الناس من يحمل في نفسه إلحاد في الدين ،وبغضاً للشريعة ، وإذا جلس إلى المؤمنين حاول أن يضع بينهم وبين ما في نفسه حجاباً مستوراً(*) وإنما ينطق بآرائه الزائفة حين يخلو بنفوس تلذ نفسه من الطعن في وجود الإله الحق أو في صدق النبوة وحكمة التشريع .(1).(2).

 

  ضياع التربية 

 

للإلحاد مهيئات : منها أن ينشأ الشخص في بيت خال من أداب الإسلام ، ومباديء هدايته ، فلا يرى فيه من يقوم على أمر تربيته ،  من نحو والد أو أم أو أخ ، ولا يتلقى عنه ما يطبعه على حب الدين ، ويجعله على بصيرة من حكمته ، فأقل شبهة تمس ذهن هذا الناشيء تنحدر به في هاوية الضلال .

 

ومن أسباب الإلحاد ان يتصل الفتى الضعيف النفس بملحد يكون أقوى منه نفساً ، وأبرع لساناً ، فيأخذه ببراعته إلى سوء العقيدة ، ويفسد عليه أمر دينه ، ومن هنا نرى الأباء الذين يعنون بتربية أبنائهم تربية التناصح الأمين ، يحولون بينهم وبين مخالطة فاسدي العقيدة ، يخشون أن تسري إليهم العدوى من تلك النفوس الخبيثة ، فتخبث عقائدهم وأخلاقهم  (3)

 

 

دس السموم 

 

ومن اسباب الإلحاد أن يقرأ الناشيء مؤلفات الملحدين وقد دسوا فيها سموماً من الشبه تحت الفاظ منمقة ، فتضعف نفسه أما هذه الألفاظ المنقمة والشبه المبهرجة ، فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة الأعداء(4) .

 

تغلب الشهوات 

 

ومن أسباب الالحاد أن تغلب الشهوات على نفس الرجل ، فتريه أن المصلحة في إباحتها ، وأن تحريم الشارع لها خال من كل حكمة ، وفيخرج من هذا الباب إلى إباحية وجحود .

 

*) كشف الله زيف وزيغ هذه الفئة المريضة  في سورة البقرة  بقوله تعالى في الآيات:

 

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿12﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿13﴾ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ( سورة البقرة / 8-16).

أنقر لمشاهدة حلقات تفند أكاذيب الفكر الإلحادي 

 

 

هوامش وتعليقات د . محمد الشيباني 

 

 

1 – بقول نديم البيطار في كتابه ( من النكسة إلى الثورة ) : “هؤلاء المتردون هم ملح الأرض ، مسئولون من الله ، لأنني مقتنع بأنه بأنه لم يوجد بعد وأن علينا أن نخلقه )”، هذا ما كتبته مجلة الجيش في سوريا ، كما ذكره الأستاذ ناصر العقل في كتابه التقليد والتبعية ص 149 .

 

وكما قال خالد بكداش الشيوعي السوري ، الحزب الشيوعي أول من أمر المرأة بنزع الججاب ” السفور” فحررها من هذا القيد ، ” قال هذا في احتفال العيد الحادي والأربعون للحزب الشيوعي السوري في برنامج الحركة الشيوعية والعمالية : إذاعة موسكو العربية مساء يوم الثلاثاء – 1 من ربيع الأول 1406 هجري الموافق 13 نوفمبر 1985 م .

 

يقول الأستاذ ناصر بن عبالكريم العقل في كتابه التقليد والتبعية :” أما حركة الإلحاد ، فإنها لا تزال تزيد ، اصحابها يعلنون إلحادهم بكل جرأة وصراحة ، متحدين بذلك مشاعر الأمة وقيمها ، وتسندها بعض الأحيان قوى كثيرة من الداخل والخارج .. في مصر والشام وغيرها ، مثلا نجد الإلحاد قائماً علناَ له احزاب وهيئات ومنظمات ، فالشيوعيون – وهم طليعة الملحدين – يعملون بنشاط وتشجيع بعض الدول ، وإن كانوا يُطاردون في بضعها الآخر .. فإن لك لإغراض سياسية .. ولم نعرف أن شيوعياً قدم للمحكمة لإنكاره وجود الله !

 

بل إن بعض الأحزاب الحاكمة تشركهم في الحكم .. وأخرى هي ذاتها تعلن الإلحاد والكفر ، وتحارب الله ورسوله ودينه ، كما حصل في بعض بلاد المسلمين ، حيث كتب أحدهم في مجلة رسمية ما نصه :” والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع الإسلامي هي خلق الإنسان الإشتراكي ” !! الذي يؤمن أن الأديان والإقطاع والرأسمال والإستعمار والمتخمين وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متحف التاريخ .

 

ويقول الأستاذ ناصر عبدالكريم : ” ومن مظاهر الشرك والإلحاد كثرة الصور والتماثيل بين المسلمين اليوم ، فإن تخليد الرؤساء والعظماء والقادة والطغاة والجبابرة و الشياطين ، برفع ونصب تماثيلهم في الساحات والبيوت والمتاحف والميادين وكل مكان ، إنما هو مظهر من مظاهر الشرك التي حرمها الإسلام ، ونهى عنها ، وهي إذا جاءت عن طريق التقليد الأعمى للكفار والمشركين ، فإن هذا المظهر وإن تساهل به كثير من المسلمين إذ يدل على تحول خطير في عقيدة الأمة وحياتها ، فنسأل الله العصمة .

 

2- راجع دراسة عن الالحاد ، كتاب (الإلحاد أسباب الظاهرة وطرق علاجها) للعلامة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق– يرحمه الله  .

 

3- ننصح أولياء الأموور بتعليم أولادهم منذ نعومة أظافرهم عقيدة التوحيد بأقسامها الثلاث من ربوبية ،وألوهية ، وأسماء وصفات ، وذلك لحصانتهم من هذا الزحف الهائل من عقائد وملل ونحل .

 

4- أعرف شبابا كثيرين هم اليوم أهل مناصب في الدولة كانوا يصلون ويؤدون الأركان ، ولكنهم لم يكونوا على معرفة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ،التي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبته عليها ، فلما قرأ هؤلاء النفر بعض المؤلفات الشيوعية انخرطوا في سلكها وافتتنوا بها ، بل ان البعض منهم لم يهنىئ له العيش إلا في روسيا وتسمية أولاده بمسميات روسية  ونزع الإسلام كلية من صدره .

 

يتبع لاحقا ..

 

كاتب وكتاب 

 

 

رسالة (الإلحاد : اسبابه ، طبائعه ، مفاسده ، أسباب ظهوره ،علاجه) للإمام محمد الحضر حسين (  ) يرحمه الله، تقديم وتعليق د . محمد بن إبراهيم الشباني ،الطبعة الأولى (1406 هجري – 1968 م ) يقع في 37 صفحة من الحجم الصغير ، مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق ( الكويت) .

 

 

تواصل مع تراثنا