عظة وموعظة من سنن التاريخ
تراثنا – د .محمد بن إبراهيم الشيباني * :
قصر المشتى ،قصر خزانة ، قصر الطوبة ، قصر الحمَام ،وحماما الصرخ وقصير عمرة ..هذه كلها عمائر بُنيت وأُستخدمت في أواسط العهد الأموي الوسط وأواخره سنة (92-138هجرية – 710-751 م ) من قبل خلفاء بني أمية وأولادهم .
وبعض هذه العمائر كان مبنياً ما قبل الإسلام في الشام (بادية شرق الأردن)، ثم رُممت وسُكنت ،وهي بعيده عن العاصمة وقصر الحكم .
أُستخدمت للراحة نهاية الأسبوع ، أو في الإجازات الطويلة ، مثلما يفعل الأهالي عندنا في الكويت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماض ، عندما يذهبون إلى الشاليهات أو المزارع (البساتين) ، وكانت أغلبها لأغراض غير أخلاقية ، وقد سجلت صحف ذلك الوقت قصص وأعاجيب تلك الفترة .
الغريب في أمر قصور وحمامات الأمويين في الصحراء آنذاك ، كما درسته في دورات تاريخية وآثارية متنوعة ، وقرأت كثيراً عنه ، أن هذه المباني ، كما سجلتها بعثات علمية أجنبية ، مثل بعثة جامعة برنستون عام 1905م ، ثم قبلها المستشرق السويسري (بتلر) ثم (ليار) سنة 1840م (ترسترام) سنة 1872م ، و (لامنس) بعدهم وغيرهم كثير ، أن هذه المباني أحتوت على نقوش رسوم صيد واستحمام ورسوم راقصات ونساء شبه عاريات ، ورسوم رمزية لآلهة الشعر والفلسفة والنصر والتاريخ عند الإغريق ، وأخرى كما ذكر (د .زكي محمد حسن) لبعض مراحل العمر المختلفة ، الفتوة ، والرجولة ، والكهولة ، ورسم لقبة السماء ، وبعض النجوم ، فضلاً عن البروج المختلفة ، ورسوم طيور وحيوانات، وزخارف نباتية .
أقول ، مع كثرة العلماء في الزمن الأموي ،والرحلة في طلب العلوم الدينية وغيرها المختلفة ،وسماع الخلفاء لنصح العلماء ، ودنوهم منهم ، والكراهة التحريمية الدينية في رسم الصور ، ونحت التماثيل ، لأنها كائنات حية ذات أرواح ، على عكس الزخارف النباتية ، التي ليست فيها أرواح ، ولم يكرهها الإسلام !
فهى دلالة على أن خلفاء بني أمية والعباسيين، ومن جاء بعدهم من ممالك الإسلام ، اتخذوا من الرسوم المختلفة شعارات لهم ، وبعضهم اتخذها زيادة في اللهو والتنعم ، وتوافر الأموال ،ونقص الدين ، وسماع النصح والموعظة بإخلاص ، فكانوا بين اللهو والدين ،وحرص بعضهم على الجهاد والفتوحات !
ولكن يبقى الإنسان حاكماً أو محكوماً يعتريه الخلل والنقص عند نقص الأموال أو زيادتها ،والسعيد من خرج من هذه الفانية بعلم يرفعه عند ربه ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) سورة البقرة- آية (134).فهذه مملكة جاءت مباشرة بعد الخلافة الراشدة ، أي قريبة من العصر النبوي ، وأصابها ما أصابها من فتنة المال والدنيا والتنعم بهما ،فما بال الممالك بعدها ، التي دارت عليها قرون وقرون إلى عصرنا اليوم ، وثبات الناس على الدين ، فهذا ولا شك خير والله ونعمة كبيرة .
والله المستعان ..
(*) رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .
انتقاء من تراثنا العدد 83