الحلقة الأولى
نوابغ اللغة بالتاريخ العربي الحديث

تراثنا – حسن بيضة * :

قال الأستاذ الكبير “خليل هنداوي” يرحمه الله – عن مؤلف كتاب ” اللباب في النحو “الأستاذ عبدالوهاب الصابوني ، كان أخاً وفياً ، ومدرساً مرموقاً في ثانويات حلب .
أنه كتلة من النشاط الدؤوب ، والجد الجاهد ، يتمتع بميزة البحث والاستقصاء في المظان البعيدة ، وهي ميزة قلما اجتمعت في مدرسي هذا الزمان .
وربما أرقته ليالي معدودة مسألة تتعلق ببيت من الشعر ، أو شاهد عل استبدال حرف بحرف ،وساعده على ذلك مكتبة جمع فيها فرائد الكتب ، وغرائب التراث العربي ، مما حققه ونشره أئمة المستشرقين والعلماء العرب الموثوق باجتهادهم ومعرفتهم ، وهو بعد ذلك أوتي ذاكرة عجيبة ، تختزن دقائق الأشياء ،وترتبها في خلاياها ترتيب صاحب البيت أشياءه.
والمؤلف درس النحو في حلب ، على يد الشيخ بدر الدين النعساني – تغمده الله برحمته – فأعانه على فهمه ، ودراسة مسائله ، بما كان للشيخ من اطلاع غزير على النحو ، فأجاد تفهيمه للطلاب ، ثم سافر المؤلف إلى القاهرة ، فأعجب بالعالم “مصطفى السقا ” في جامعة القاهرة ، النحوي الضليع والأستاذ القدير ، فأضاف إلى علم المؤلف مسائل كثيرة ، كانت مستعصية ، فأنار له مسالكها ، وأوضح معالمها ، ثم رجع إلى حلب مكباً على الكتب ، دارساً فصولها ، ملماً بأبحاثها ، مثابراً على القراءة ليل نها .
محتوى الكتاب
يقول المؤلف في مقدمة كتابه : يضم هذا الكتاب ثلاثة ألوان من البحث : طائفة من حروف المعاني مع شيء من النحو ، ثم طرائف متخيره منه ، ثم قواعد وفوائد .
أما حروف المعاني ، فقد اصطفيت بعضها مما دق وتشعب وصعب استعمالاً على الوجه الصحيح ، فجلوتها ومحصتها ، وصرفت الهمة عن بقيتها ، لأن ما وقع لي منها – حتى في المطولات – كان معروفاً مألوفاً لا جديد فيه ولا طريف .
طرائف علمي الصرف والنحو

ثم جاء بأبحاث مفردة من تقصي المؤلف ، واستنتاجه ، كالمضارع موقع الماضي ، والماضي موقع المضارع ، والمضارع موقع الأمر ، وعطف الماضي على المضارع ،وعطف المضارع على الماضي ، وعطف المضارع على الأمر وعطف الاسم على الماضي أو المضارع ، كل هذه الأبحاث محصّها وأقام الأدلة عليها من آيات القران ،وفصيح الشعر ، ثم ختم الكتاب بمئة طرفة من علمي الصرف والنحو ، إليك بعضها :
-سمي الفعل المضارع مضارعاً ، لأنه ضارع الاسم ، أي شابهه ، ومنها سمي الضرع ضرعاً شبيه أخاه (ص 279) .
-سمي المفعول المطلق مطلقاً لأنه تخلص من القيود التي هي حروف الجر ونحوها (279) .
-يرى البصريون أن الاسم من السموّ، لأنه سما على مسماه ، وعلا على ما تحته من معناه ص( 380) .
-سمي المصدر مصدراً لأنه من لفظ الفعل ص (380) .
-الإغراب : الإبانة -وسمي كذلك لأنه يُبين المعاني ، ص (380) .
-كرر الجار والمجرور ثلاث مرات متواليات في الآية : “ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا” و الآية “ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا” والأية ” أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ “ص (397) .
أسلوبه
يقول خليل هنداوي عن أسلوب المؤلف : ” وإذا ظهر لنا وجه المؤلف النحوي المتعمق جلياً في اصطفاء الشواهد ، فإن هذه الشواهد نفسها تظهر لنا وجه المؤلف الأديب الذي يريد أن يزاوج بين جفاف القواعد ، وحلاوة الإسلوب .
فإن اختيار الكتب لشواهده ينم عن ذوق أديب مرهف ، وعالم نحو فصيح ، ويكثر من أشعار الغزل ليجيا القارئ معه بكل مشاعره وأحاسيسه ،ويشترك قلبه مع عقله ، لتحبيب المادة وتقريبها من روحه .
هدفه

فال المؤلف في افتتاحية كتابه : ” وكان جل همي – فيما كتبت – أن أسهل سبيله ، وأيسر فهمه واستيعابه ، فأكثرت من ضرب الأمثال ،وعززتها بالشرح والتعليل ، وعرضت لاختلاف العلماء في بعض المسائل وبسطت رأيي فيما بدا لي منها “.
ومشكلة تيسير النحو سارت مع بداية العصر ، فلقد كتب ” على الجارم ومصطفى أمين وحفني ناصف والغلاييني “وغيرهم كتباً في النحو ، ونقد مناهج الأزهر في تدريسه ، حتى لا يتيه الطلاب في متاهات الخلافات النحوية بين البصريين والكوفيين والمدارس المتعددة ،والنظريات المتضاربة .
الصابوني في سطور

- تعلم في المدرسة السلطانية (المأمون) بحلب .
- تابع دراسته في دار المعلمين العليا بدمشق .
- رحل إلى مصر سنة 1944م وحصل على شهادة الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة .
- عمل في تدريس اللغة العربية وآدابها معظم حياته .
- توفي مساء الأثنين 10 تشرين الثاني 1986م.
- له بحوث ومقالات ومجموعة قصائد ودراسات ومحاضرات أكثرها مخطوط .
-
من مطبوعاته : عصام : رواية ، عيون المؤلفات ، اللباب : دراسة في النحو ، شعراء ودواوين : مسارد موثقة .
يتبع لاحقا ..
تقلا عن مجلة تراثنا – العدد23
تواصل مع تراثنا