عثمان بن عفان : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن !
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:
الخلاف .. شر بأي صورة من الصور ، فما بالك إذا كان على مستوى الحكومة وإدارة شؤون بلد؟
فالبلد الذي ينشر خلافات من يديره على صدور الصحف، وعلى ألسنة الناس في محافلهم ودواوينهم ، تسقط هيبته بين شعبه وجيرانه والعالم ، وتضعف قوته ، ويصبح نهباً للدول الطامعة فيه ، ويعطيهم مبرراً لمراقبته في كل شيء ، باعتبار أنه ضعيف ، وضعفه قد يحدث تغييراً قد يضر بالآخرين ، لأن الدول أصبحت قرية واحدة ، كلُ مرتبطة مصالحها بالأخرى .
-
تسرب أسرار الدولة إلى الدواوين ونشرها في المجالس العامة مقدمات لضعف النظام وسبب في تدخل الدول الأخرى بشوؤونه خشية على مصالحهم .
-
علي بي أبي طالب :أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد، ولا يصلح الآخر إلا بالمشاركة،وهما الملك والرأي ، فكما لا يستقيم الملك بالمشاركة ، لا يستقيم الرأي بالتفرد “.
ماذا يعني السلطان ؟ وما معنى الحكم والسيادة ، لا شك في أن البشر على الأرض لا يضبط حالهم ويحفظ أموالهم وأعراضهم إلا مجموعة من الناس يختارون بعد ذلك واحداً منهم ، ليشكل نظام الحكم ، ويتسيد ويحكمهم حتى لا تنفرد جماعة قوية بأخرى ضعيفة ، فلولا أنه يدفع قوم عن قوم ، ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره الله من الأسباب ، لفسدت الأرض ، ولأهلك القوي الضعيف ، فدفع هذا بهذا ، فحكمه صار من مصلحة القلة الطيبة على القلة الفاسدة .
فلولا دفع أعوان الحاكم ضرر المفسدين لفسدوا في البلاد ، وهدموا كل شيء ، فالحكم الذي اختاره الناس ليحكمهم هو الذي يدفع الشرور ، بوضع الشرائع التي تطوع الناس لها ، شريطة أن يقوم هو قبلهم .
كما أن الحاكم لا يصلح أن تنشر أسراره بين شعبه ، أو يترك المجال لها بأن تتسرب دون أن يردع المتسبب في ذلك ، فإن ترك أولئك الذين يسربون أسرار الدولة ، فإن ذلك مقدمات لضعف النظام وانحداره يوماً بعد يوم ، وهذا يؤدي إلى ضعف الطاعة أو التقدير والاهتمام عند الشعب ، فتعطي كل صاحب نفوذ سلطة مبرر العبث كل بطريقته،وبحسب ما يراه من الضعف والتردي .
ينقل عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه – قوله : ” أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد، ولا يصلح الآخر إلا بالمشاركة،وهما الملك والرأي ، فكما لا يستقيم الملك بالمشاركة ، لا يستقيم الرأي بالتفرد “.
فالحاكم يدفع بتخويفه وتهديده ما لا يدفع بالنواهي والزواجر الدينية ، وهو معنى قول عثمان بن عفان – رضي الله عنه – المنسوب إليه :” إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ” .
حفظ الحاكم سلطانه يرفع ما يتوقع عليه من الفتن والافتراق المفضي إلى زعزعة النظام ، والنظام المحافظ على نفسه لا يستطيع أي صاحب فتنة أن يزعزعه مهما أشعل أهل الفتتة نارهم أو تسيد الأراذل على الأفاضل ، وما أجمل ما قله أحد الشعراء في الحكم ، والجماعة والاعتصام .
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
بعروته الوثقى لمن دانا
لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل
وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
ينقل الرحالة الأنكليزي بيلي عن حاكم الكويت الأسبق الشيخ صباح بن جابر (جابر العيش) – يرحمه الله – في عام 1865م وصية والده عندما بلغ مائة وعشرين من عمره ، قال : ” يا ولدي ، إنك تعلم أنني سأفارق الحياة ، وأنني أموت فقيراً ، دون أترك لك ثروة أو نقوداً ، غير انني كونت في حياتي صداقات حقيقية خالصة مع أناس عديدين ، أنظر ألى الدول المختلفة من حولك في منطقة الخليج تجد أنها قد تساقطت بسبب الظلم ، أوسوء الإدارة ، ولكن إمارتي كانت دوماً تقوي وتتسع “.
فالحاجة إلى حاكم يحكم الناس أمر فطري في بني البشر ، ولكن ليس أي حاكم يستطيع حكم الناس ، مالم تتوافر فيه عدة الملك والحكم ، ومنها المحافظة على الأسرار ، وضبط الناس وتطويعهم لمنا ينفعهم ، وحفظ أموالهم وأعراضهم .
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .