الحلقة الثانية والأخيرة
نوابغ اللغة بالتاريخ العربي الحديث

تراثنا – حسن بيضة * :

قال الأستاذ الكبير “خليل هنداوي” يرحمه الله – عن مؤلف كتاب ” اللباب في النحو “الأستاذ عبدالوهاب الصابوني ، كان أخاً وفياً ، ومدرساً مرموقاً في ثانويات حلب .
أنه كتلة من النشاط الدؤوب ، والجد الجاهد ، يتمتع بميزة البحث والاستقصاء في المظان البعيدة ، وهي ميزة قلما اجتمعت في مدرسي هذا الزمان .
في الحلقة الثانية والأخيرة ، تستأنف تراثنا تستعرض ما جاء من أراء مؤيدة ومخالفة لنظريات الصابوني النحوية في كتابه (اللباب في النحو) ومعاركه التى خاضها مع النحويين ، مع ذكر أهدافه وآرائه في السطور التالية :
أهدافه

قال المؤلف في افتتاحية كتابه : وكان جل همي – فيما كتبت – أن أسهل سبيله ، وأيسر فهمه واستيعابه ، فاكثر من ضرب الأمثال ،وعززتها بالشرح والتحليل ، وعرضت لاختلاف العلماء في بعض المسائل ، ثم بسطت رأيي فيما بدا لي منها “.
ومشكلة تيسير النحو سارت مع بداية العصر ، فلقد كتب ” على الجارم ومصطفى أمين ” و “حفني ناصيف ” و”الغلاييني” وغيرهم كتباً في النحو ، كذلك نادى ” طه حسين ” بتيسير النحو ، ونقد مناهج الأزهر في تدريسه ، حتى لايتيه الطلاب في متاهات الخلافات النحوية بين البصريين والكوفيين والمدارس المتعددة ، والنظريات المتضاربة .
آراء المؤلف

ليس من طبع الصابوني ان ينقل عبارات القدماء ويعيدها ويكررها فحسب ، بل أضاف الكثير من آرائه ناقداً ومرجحاً ومؤيداً ، إليك بعضها :
1- وقد يعطف المضارع على الأمر ، كقوله “إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” البقرة – أية 117، قالوا في تخريجها : (يكون) معطوف على (يقول) انتهى .. قلنا : وكيف تقولون في آية “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ” يس – الأية 82 ، أو تعطفون (يكون) – المرفوع – على ( يقول) – المنصوب ؟
هذه واحده ، ثم كيف تقولون في آية ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) البقرة – الآية 59
أين تُعطف (يكون) – هذه- وليس قبلها إلا فعل ماض ؟ إني لم أجد أحداً من المفسرين – فيما رجعت إليه – قد تصدى لها، وأنا أرى أنها جملة حذف منها المبتدأ ، فهى على نسق ( يريد أن يُعربه فيعجمه) ، ونسق (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران – أي (فهو يعجمه) و (بل أحياء) و (فهو يكون) ص (282 – 283).
وقد ضرب كاتب المقال أمثلة عدة أخرى لنظريات الصابوني لاثبات وجهة نظره بخلاف ما قرره علماء النحو تم تفصيله في مجلة تراثنا في عددها 23 م ابريل/ مايو 2002 م .
نقد الكتاب
تصدى الدكتور محمد خير الحلواني ، فنقد الكتاب بمحموعة من مقالات في الصحف والمجلات ، فرد المؤلف عليه في تسع مقالات وشعر بعنوان (رد على حسود) ، مقيماً الأدلة على آرائه وأقواله .
وقد أثار الكتاب مناقشات بين أساتذة النحو ، كل فريق يؤيد صاحبه ، و كانت معركة أدبية ، شهدتها ساحة الفكر السورية زمناً ، وانتهت بموت أحد الطرفين .
قيمة الكتاب

يعد أديب الشهباء الكبير (خليل هنداوي) من شيعة الصابوني ومحبيه والمدافعين عنه ، ولهذا بدا فيما كتب ميالاً للدفاع عن كتاب اللباب ، إنصاف مؤلفه ، يقول : ” وفي الحلق إن الأقدمين قد كتبوا الشيء الكثير في النحو ، واكتفى المحدثون بما رآه الأقدمون ،ولكن كتاب ( اللباب) يعد عندي مفخرة ما انتجته المكتبة العربية القديمة والحديثة في النحو “.
والكتاب خلاصة جهاد المؤلف في هذا الميدان ، تشهد على ذلك المصادر التي استقى منها كلامه ، والآراء التي بثها في الكتاب ، وكان المؤلف يقول ” لو احيي سيبويه لاستفاد منه ، لأن بعض أبوابه لم تكن واضحة في عصره ، فعرض لها ، وأقمت البراهين عليها “.
طالع الحلقة الأولى :
عبدالوهاب الصابوني ونهجه في تيسير علوم النحو والصرف
يتبع لاحقا ..
نقلاً عن مجلة تراثنا – العدد23
تواصل مع تراثنا