الحلقة الأولى
المخطوطات العربية والإسلامية في العالم

تراثنا – حسني عبدالحافظ :
في إسبانية ، ,وعلى مسافة خمسين كيلومتراً إلى الشمال الغربي من عاصمتها المركزية (مدريد) قطعتها السيارة التي أقلتنا في نحو ثلثي الساعة ، يقع مبنى الإسكوريال العتيق الضخم ، الذي يضم بين جنباته أحد أهم المكتبات التراثية العربية في العالم .

حافظ :
-
المؤرخ كوندي : 70 ألف مجلد يضم المخطوطات العربية والإسلامية أحرقت عمداً في يوم واحد عندما دخل الأسبان قرطبة !
-
الملك الأسباني فيليب الثالث أصدر أوامر ملكية بجمع المخطوطات ولاسيما العربية النادرة وايداعها في مكتبة الأسكوريال .
كانت المكتبة قد تعرضت لحريق كبير ، التهم الآلاف من مخطوطاتها ومقتنياتها المهمة ، ورغم ذلك فإن ما تبقى فيها إلى الآن – وهو يقارب الألفين إلا قليلاً – يُعد من “كنوز” المخطوطات العربية ، التي يعول عليها كثيراً ، الباحثون والمؤخون في الشرق والغرب ، لدراسة حضارتنا الزاهرة .
فماذا عن الاسكوريال..؟ وماذا عن كنور المكتبة العربية فيه ..؟؟

نشير باديء ذي بدء ، إلى أن مبنى الإسكوريال هو بالأساس دير للتعبد والاعتكاف ، شُيد فوق سفح تل صخري ، متصل سلسلة جبال سييردي غواديراما ، بأمر من الملك فيليب الثاني ، ابن الأمبراطور شارل الخامس ، وذلك في النصف الثاني من القرن السادس عشر للميلاد .
أضخم الابنية
وهو من الضخامة بحيث يُعد من بين أضخم خمسة أبنية قائمة الآن على سطح هذا الكوكب .. يضم سبعة أبراج ، وتسعاً وثمانين نافورة ، وستة وثمانين سلماً ، توصل إلى أمكنة مختلفة ، أعمدته المربعة الشكل يصل عرض كل ضلع من أضلاعها إلى نحو ثمانية أمتار ، عليها أقواس ، يعلوها القبة الرئيسية .. وقد أحصى أثنا عشر ألف باب ، ونافذة لهذا المبنى .. وفي بهوه الرئيسي ، الذي تتوسطه المكتبة ،والمُقسم إلى سبعة أقسام ، شاهدنا رسوماً فنية بديعة زاهية الألوان ، تُزين سقفه المحدب .
حرق 70 الف كتاب في يوم !
ليس بخاف على أحد أن الأسبان عندما استولوا على الأندلس ، هدموا وأحرقوا كثيراً من آثار العرب والمسلمين ، التي امتدت في طول البلاد وعرضها ،ولم تسلم المخطوطات من هذه المأساة ، وويذكر المؤرخ الأوروبي ” كوندي” أن الأسبان لما دخلوا قرطبة ، التي ظلت حاضرة العلم والثقافة لقرون عدة ، أحرقوا في يوم واحد نحو سبعين ألف مجلد ، وكان الكاردينال سيسنيرونس وأخرون ، قد تعمدوا إحراق آلاف المخطوطات العربية والإسلامية في ساحة باب الرملة الغرناطية ، في أعقاب خروج المسلمين منها .
جمع الكتب بأوامر ملكية
ولكن في عهد الملك فيليب الثاني ، الذي أحب العلم وأحاط نفسه بكبار العلماء والخطباء ، الذين كانوا يدركون أهمية المخطوطات العربية في التراث العلمي والثقافي ، بدأت عملية كبيرة للبحث عما تبقى من هذه المخطوطات في ربوع البلاد ، بأوامر ملكية ، ونجح القائمون على هذه العملية في جمع آلاف المخطوطات التي أودعت مكتبة دير الإسكوريال الملكية .
مكتبة ملكية خاصة

وقد واصل الملك فيليب الثالث جمع المزيد من المخطوطات المتناثرة في أماكن متفرقة ، وفي عام 1616م ، أصدر مرسوماً ملكياً يطلب فيه من عماله وسفرائه ومبعوثية في جميع الأصقاع الأسبانية وغيرها الم، جمع المخطوطات ،والاهتمام بها ، ونقلها إلى المكتبة الإسكوريالية ، وأوصى بأن يرسل إلى مكتبة الإسكوريالية نسخة من الكتب المطبوعة والمخطوطة ، ولا سيما نوادرها العربية ، إلا أن هذه المكتبة ظلت “ملكية ” بالمعنى الحرفي للكلمة ، فلم يكن أحد من ” العامة ” يستطيع الوصول إليها والاطلاع على ما بها من كتب ومخطوطات ومقتنيات تاريخية ، ثم فتحت أبوابها بعد ذلك للزوار والسياح والباحثين وطلبة العلم ، الذين يقصدونها من كل حدب وصوب ، لمعرفة ما بها من كنوز تراثية .
يتبع لاحقاً..
نقلاً عن مجلة تراثنا – العدد23