(في بلاد اللؤلؤ) – الحلقة (20)
سطور من ماضي الكويت بعين شامية

تراثنا – التحرير :
في الحلقة العشرين، يواصل الكاتب السوري والمحامي فيصل العظمة – يرحمه الله – تدوين انطباعاته وملاحظاته عن كويت عام 1942م ، التي دوَّنها في كتابه (في بلاد اللؤلؤ) في طبعته الأولى عام 1945م .وأعيد طبعتها الثانية في 2020 م بالكويت ، بتحقيق أ .د أحمد بكري عصلة – يرحمه الله .

في هذه الحلقة يتوقف الكاتب العظمة بإجلال واعجاب بإخلاقيات التاجر الكويتي ، الذي اتسم بالصدق والأخلاص وصدق الكلمة والوعد ، قلما معها تخاصم التجار ، إلى حد كاد أن ينعدم عمل للمحامين في كويت الاربعينيات ، وفي التفصيل يقول :
الحياة الاقتصادية

التجارة : الكويت قطر تجاري بالدرجة الأولى ، نظراً لموقعه الجغرافي الممتاز في رأس خليج العرب ، ولتوسطه بين نجد وإيران والهند وإمارات الخليج ، فهو نقطة الاتصال بين هذه البلدان ،ولولا التجارة لما كانت الكويت ، بل لظلت صحراء مقفرة ،وخياماً متفرقة ، يعبث بها البدو ، وقد اضطر الكويتيون للابحار بحكم الضرورة ،نظراً لانعدام وسائل الحياة الأخرى .
والكويتي تاجر بالفطرة ، ويُعد من أمهر واصدق تجار العالم ، نشيط ومغامر ، ركب الأخطار في البر ،ويقطع المحيط الهندي بالشراع في سبيل المال ، وهو بذلك يشبه السوري ، والكويتي لا يعرف غير المال و لا يؤمن إلا بسلطان المادة ! !
وهو جريء في المعاملات التجارية ، يبيع ويشتري بعشرات ، بل مئات الألوف ، ومن المعلوم أن مقومات التجارة هي : الثقة ، المال ، الأمن (1)
الدين والسمعة التجارية

أما الثقة التجارية ، فإن التاجر الكويتي له منها نصيب عظيم ، يبيع ولا يرجع ، ويشتري ولا ينقض ، ويستدين ويدفع ، قال ووعد ، والرجل عند قوله ، ووعد الدين حق ، وأنت تلمس فيه هذه الأخلاق العالية حتى في هذه الحرب التي انحطت فيها الأخلاق التجارية مع الأسف ، ويدفع إلى ذلك عاملان ، الدين والسمعة التجارية ، ولذلك قلما ترى خلافاً في الكويت ، والدعاوي بين الناس قليلة .
التعامل بالثقة والذمة
ولذلك فلا عمل للمحامين في الكويت ، أما الأسناد فقليلة الاستعمال في الكويت ، إذ إن أكثر الناس يتعاملون بدون أسناد على الثقة والذمة ، ولماذا الاسناد مادام صاحب الحق يأخذ حقه ، والمدين يؤدي ما بذمته ؟ لا لزم لسند أو شهود ما دام دينك يمنعك من الإنكار ،وشرفك يزجرك عن الجحود .
وقد حدثني أحد التجار السوريين ، وقد ذهب إلى الكويت للتجارة ، وقال : ” اشتريت من أحد التجار بضاعة بقيمة خمسين ألف دينار ، واستلمت البضاعة ،ولم أدفع له الثمن ، وبعد أن شحنتها بالباخرة عدت ودفعت له المبلغ ، وقبل أن أغادره سالته : كيف سلمتني البضاعة دون أن تأخذ الثمن ، وأنت تعلم أن جواز سفري جاهز ؟ ألا تخشى (أن لا) أدفع لك ” قال : فضحك الكويتي ،وقال : أنت لا تفعل ، لك الله ، أخلاق نبيلة قلما تراها في أرقى بلاد العالم .
الأقتراض من الشيوخ
وأما المال فموفور بكثرة ، فالتجار الكويتيون أغنياء إجمالاً ، هذا يملك عشرات الإلوف من الروبيات ، وذلك يملك لكاً (مئة ألف) ، وذلك مليوناً أو أ كثر ، وفي الكويت (عدة) أشخاص من أصحاب الملايين ، وليس معنى ذلك أن كل تاجر غني ، ولكن التجار بمجموعهم أغنياء، وإذا أحس التاجر بحاجة إلى المال ، إلتجأ إلى الشيوخ فيدينونه ، وينقدونه ، ويعيد المبلغ حين اليسر بلا فائدة .
أيها القاريء الكريم ، لا تظن أنني انسج من خيالي ، فهذه حقائق جميلة يدركها كل من عرف الكويت .
– إنتقاء من الصفحات (98-99).
هامش :
1- لا شك في أن هذا الرأي فيه شيء من العجلة ، فالكويتي آنذاك لم يغرف في عالم المادة ، وهذا يتعارض مع ثناء المؤلف على تدين الكويتي وخلقه وحسن معاملته عامة .
طالع الحلقة التاسعة عشر :
أحمدالجابر منفتح حضاريا ومُتدّين ويبطش عند اللزوم
يتبع لاحقاً …
مقتطف من كتاب (في بلاد اللؤلؤ) لمؤلفه الإستاذ فيصل العظمة – المحامي – أهدى طبعته الأولى “دمشق – 1945م” إلى أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح ، الطبعة الأولى” دمشق”، الطبعة الثانية عام 2020م ، تحقيق أ . د أحمد بكري عصلة – يرحمه الله – يقع في 218 صفحة وسط ، مقتنيات مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت .
تواصل مع تراثنا