الحلقة الأولى
سطور من كتاب (الكويت في مجلة العراق)

تراثنا – التحرير :

سلّط مؤرخ الكويت الشيخ عبدالعزيز الرشيد الضوء على ما وصفه ب (أدوار الكويت) الأربعة ، موضحاُ مدى تطورها الاجتماعي والسياسي والتعليمي وبروزها في المنطقة في ظل حكم أمراءها في تلك الفترة .
جاء ذلك كتاب (الكويت في مجلة العراق ..) استخرجها وحققها وقدم لها الباحث الكويتي وليد عبدالله الغانم – يرحمه الله – نقلاً عن مقالة كتبها الرشيد في مقالة نشرتها مجلة (العراق) بتاريخ 19 شعبان 1339هجري – 29 نيسان 1921م)..
وتقتطف تراثنا ما أتى المؤرخ الرشيد على ذكره في صفحات الكتاب ( من 42-47) ، حيث يقول :
مضي للبلدة الكويتية منذ تأسيسها إلى الآن أربعة أدوار ، حصل لها في خلالها كما يحصل لغيرها من البلاد من التطورات والتقلبات، وإني ذاكر تلك الأدوار بكلمات وجيزة ، ومبينها بدورها الحالي الذي نحن فيه الآن .
الدور الأول
أما دورها الأول ، فمن تأسيسها سنة 1313 ، ففي ذلك الدور لم يحصل لها تقدم يذكر ،ولم تكن لها أهمية ولا اعتبار في عالم السياسية ، بل كانت بلدة صغيرة ، كغيرها من البلاد التي لا يؤبه لها ولا يعتد بها .
الدور الثاني

أما دورها الثاني ، فيبتدئ من سنة 1313 إلى سنة 1313 (1) ، وهو دور الشيخ مبارك الصباح – يرحمه الله – ذلك الرجل السياسي المحنك ، ففيه حصل لها تقدم عظيم وشهرة طارت في الخافقين ، حتى عُرف مركزها أقطاب السياسة ، وطمحت إليها أنظار الدول لأهمية مركزها .
ومن جراء ذلك حصل لها من التطورات السياسية ما هو معروف ، وقد تمتعت في ذلك الدور بالأمن ، الذي ضرب فيها أطنابه ، واتسعت تجارتها ، وكثر نفوسها ،وارتادها الناس من جهات عديدة للاتجار والسكنى ، حتى أصبحت من أهم البلاد على شاطئ الخليج (الفارسي) ، وأعظم نقط المواصلات التجارية البرية بين نجد والحجاز .

وإني ليعجبني هنا قول الشيخ الملكي بن عزوز بشأنها في ذلك الدور ،وإنها لم تشتهر إلا بحاكمها في جواب كتاب كنت أرسلت له في الآستانة ، قال رحمه الله : ” الكويت في هذا الزمان تساوي البصرة في الشهرة ، فكل من خاض في السياسة يعرف الأمير مبارك بن الصباح ، ويعرف بلده الكويت ، لأن الكويت اشتهر بها ، وهنا ذكرت قول بعض النسابين ،(لولا سفيان الثوري والربيع بن خيثم ما عرفت قبيلتهما) .
ولقد زادت شهرتها عن ذي قبل بتأسيس المدرسة المباركية التي نُسبت إليه ، فعلق الناس آمالهم الكبيرة عليها بسبب ذلك ، وظل أنظار المصلحين شاخصة إليها ، وأفاضت الجرائد في ذلك ، ونشرت المقالات من أشهر الكتّاب في هذا الشأن ، ولكن من المؤسف أنها لم تفز بشيء مما كان الناس يتأملونه ، إذ حصل لها عقبات في سبيل إصلاحها ، من أهمها عدم الرغبة في العلوم من القائمين بمهمتها وجهلهم بمزاياها ومنافعها ، وفقهم الله للإصلاح ،وباعدهم عن الخلال التي هي العثرات في سبيل المنافع العامة .
الدور الثالث

أما دورها الثالث ، فيبدأ من 1334 إلى 1336 هجري ، وهو دور الشيخ جابر نجل الشيخ مبارك الصباح ، فكانت الكويت على هيئتها في الدور الذي قبلها ، إلا أن الكويتيين فيه أحبوا حاكمهم محبة كبرى ، وأسبابها شفقته عليهم ورحمته بهم ، وميله لما ينفعهم ، والسعي وراءه ، بكل ما يستطيع من قول أو فعل وسلامة صدر ، وبشاشة محياه وسخاؤه .
أما العلوم والمعارف ، فكان حظها منه من سابقه ، على أنه – رحمه الله – لو وُفق لجلساء عارفين مزايا العلم ، ميالين إليه ، صادقين في أعمالهم ، لوجدوا منه – رحمه الله – آذاناً صاغية في كل إصلاح ، ولكنه لم يوفق لقوم هذه صفاتهم ، لذلك بقيت الكويت على خمولها وانحطاطها .
الدور الرابع


أما دورها الرابع ، فيبتدأ من سنة 1336 إلى سنة 1339 هجري ، وهو دور الشيخ سالم المبارك – يرحمه الله – وهو كالأدوار الماضية ، لاسيما بعدم الاعتناء بالعلوم والمعارف ، إلا أنه يزيد عليها بمشاكله الجسيمة ، التي أذهبت بهجة الكويت ، وكدرت صفوها ، وحيث أنه معلومة لا أرى حاجة إلى بيانها ، فالكويت بذلك الدور فقد أموراً كانت تتمتع بها من قبل ، من أهمها الأمن والراحة وروجان التجارة ، فهو دور من أعقد الأدوار على الكويتيين ، لم يبلوا بمثله ، ولم يصابوا بما يشاكله .
هذه هي أدوراها السالفة قد مضت بخيرها وشرها وعجرها وبجرها ، ولكن ما لنا ولها :
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أنت فيها
يتبع لاحقا : (الحلقة 2 والأخيرة ) .
هامش
1- هكذا وردت في الأصل ، ولعله يقصد 1333 .
كاتب وكتاب
نقلاً عن كتاب (الكويت في مجلة العراق) خلال الفترة من 1920-1921م ، لمؤلفه وليد عبدالله الغانم – يرحمه الله -، يقع في 80 صفحة من الحجم الوسط، الطبعة الأولى (1435هجري – 2014م) ، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق (الكويت) .
تواصل مع تراثنا