• Post published:25/02/2018

 

 

ما لم يكتب عن صبيح البراك الصبيح (يرحمه الله)
كتب: د. محمد بن إبراهيم الشيباني
فتحت عيني على الدنيا وأنا أرى ذلك البيت الكبير في حي القبلة في ( فريج ) الصبيح قرب مسجد الساير ، الشرقي بيت صبيح البراك الصبيح ( رحمه الله ) وأمامه تلك السيارة السوداء (الكاديلاك) يعود هذا المشهد إلى نصف قرن من الزمان وأكثر، وكأنه شريط سينمائي يمر أمامي، وأذكر فيه بيّاعت بو سماح ( لازال حيا يسكن كيفان ) في العصاري وخيازرينه ، ومن هناك بيت الزاحم وبيت المقهوى …
أما قصة الكاديلاك فيقول عنه ابنه مشاري (يرحمه الله): رأينا أن نشتري للوالد سيارة تليق بمقامه فاشترينا هذه السيارة لكنه في البداية رفضها لأنه يرى ذلك تمايزاً على الناس ، ومع إلحاحنا قبلها ، ولكننا بعد أيام وجدنا الكاديلاك وقد علق بها الغبار والطين وكانت المفاجأة في الداخل حيث وجدنا المقعد الخلفي كله أكياس أسمنت وطابوق وشيء لايوصف من الغبار! فلما سألناه عن ذلك قال : ألستم تريدون مني استعمالها لقد استعملتها فجعلت المقعد الخلفي يحمل الأسمنت والطابوق والأدوات والمقعد الأمامي لي فقط انظروا إليه نظيفاً ليس فيه أي أتربة وخلافه .
كان يعمل في مجال البناء وتجارة الأسمنت والطابوق ، ولقد كان رصيده أيام الحرب العالمية الثانية أكثر من 100 مليون روبية ، وكانت سحوباته اليومية بالملايين وكان يودع أمواله في ( البنك الشاهي البريطاني ) ( 1942 م ) وهو فرع من البنك الرئيس في لندن ، كان موقعه بداية في السوق الداخلي ثم نقل من مكانه إلى مكان بني خصيصاً له في ساحة الصفاة ثم تغير اسم البنك إلى (البنك الإمبراطوري ) ثم إلى ( البنك البريطاني للشرق الأوسط ) ، لما رأى مدير البنك ( مايتسن ) إيداع وسحوبات هذا الرجل بالملايين أبلغ البنك الرئيس في لندن بذلك ، فأمر رئيس مجلس إدارة البنك هناك بدعوته إلى لندن كي يتحاور معه ويقف على كيفية حصوله على هذه المبالغ وعن كيفية حساباته اليومية لها .
لم يمانع من السفر إلى لندن لمعرفة مايريدون فمن البصرة إلى البحرين ومنها إلى الهند ثم إلى لندن وفي لندن حجزوا له في لوكاندة غرفة وطلب منهم أن تكون قرب الحمام ليستطيع الوضوء والتطهر للصلاة من دون مشقة ، قال له رئيس البنك الشاهي : رأينا أنك تسحب وتودع في اليوم ملايين فأردنا معرفة كيف تحسب هذه الأموال ؟ وكان للتجار الأولين حسبة لايعرفها إلا القليل من الناس وطريقتهم .
وعندما رجع من لندن وبعد أن مكث فترة من الوقت دعي وابنه مشاري إلى حفل القنصلية البريطانية في البصرة وكان هذا الحفل خاصاً بالتجار الكويتيين وقد صور الاحتفال على فيلم سينمائي. وفي أحد الأيام أخبره مدرس عراقي بأنه طبق حسبته فلم تخرج النتيجة نفسها فقال له: (( إنكم تحسبون حساب المدارس))!!
وفي عام 1957 م رست عليه مناقصة بناء بيوت كيفان في قطعة (4) بتكلفة إجمالية 25 مليون روبية وكان دخله في تلك الأعوام سنوياً مليون روبية ، كان رحمه الله لايرد السائل فإذا لم يعطه شيئاً يقول له : (( يصير خير )) أي سيعمل مافي وسعه لمساعدته ، كان يحج عاماً ويبقى عاماً ويُسيّر معه على حسابه نفراً من الحجاج وقد شاهدت ذلك بنفسي في بداية الستينيات .
وكانت متعته وهواياته الزراعة وتربية الأغنام … فلربما ذهب مرات إلى أصحابه وجيرانه ممن عندهم نخيل في بيوتهم ومزارعهم فيرعاها بالقص والتكريب والحماية وفي إحدى المرات طلب منه أحد أصحابه أن يهتم بنخله أمام بيته وفي عز القيظ فلما رأته زوجة جاره قالت للخادم: اذهب بالغداء إلى العامل في الحديقة ! فقال لها زوجها : لايسمعك هذا صبيح البراك ! فاستحت .
كان من المؤسسين لجمعية الإصلاح عندما كان موقعها في منطقة أم صده من حي المرقاب قديماً قبل أن تتحول إلى الروضة حيث قدم استقالته ؟! توفاه الله في حادث سيارة في طريق الدمام ـ الإحساء حين صعدت على سيارتهم اليابانية (المازدا) شاحنة كبيرة ، مات على إثرها رحمه الله وكان معه ابنه ناصر سفير الكويت آنذاك في البرازيل فأصيب بكسور تشافى بعد فترة منها وكان الحادث مروعاً للغاية حزن على فقده جميع من عرفوه وعاشروه ، فقد كان كريماً منفقاً على الفقراء والمساكين في السعودية والزبير وفي إحدى سفراتنا إلى لبنان في الستينيات عن طريق صفوان قال لي الأخ الصديق وليد عبد اللطيف الصبيح: أرأيت المكيفات في المركز كلها كانت من خالي صبيح البراك بل كان يقوم بإصلاح جميع ما يحتاجون إليه . ومسجده في كيفان في القطعة (3) بناه في عام 1389هـ (1969م) . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فيسيح جناته والحديث طويل يحتاج إلى تكملة.>

اترك تعليقاً