• Post published:17/03/2020

شخصيات كويتية 

غرست أياديها البيضاء بذور المحبة فأزهرت مودة في قلوب المحيطين بها 

 

المربية الفاضلة موضي عبدالعزيز العتيقي - يرحمها الله
المربية الفاضلة موضي عبدالعزيز العتيقي – يرحمها الله

تراثنا – التحرير :

 

الباحث د. سعود عويض الديحاني
 د. سعود الديحاني

أهدى الباحث والإعلامي د.سعود عويض سعود الديحاني مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق انتاجه القيم التوثيقي ( موضي عبد العزيز العتيقي ..أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ) يأتي  ذلك في اطار التبادل الثقافي والمعرفي بين الجهات البحثية ذات الاهتمام المشترك .

 

ويأتي أهمية الاهداء ، من حيث انه يوثق مسيرة حياة نضالية للسيدة موضي العتيقي في مجال رسالة التعليم والمجال الإنساني ، جسدت خلاله انموذجا صادقا لمعاني المثابرة في الحقل التربوي ، والعطاء في المجال الإنساني ، ودعم الصمود الكويتي أيام الإحتلال ، ومساندة مقاومة العدو الصهيوني ، مما يستحق ان تفرد له تراثنا القدر المناسب الذي يمثل إلهاما للكثيرين ، وحافزا لهم للعطاء ، رغم العوائق والمحبطات .

 

موضي عبد العزيز العتيقي في شبابها

موضي عبد العزيز العتيقي 

  • ولدت موضي في بيت نبغ فيه العلماء ببلدة المجمعة بسدير، ونشأت تواقة للعلم منذ نعومة أظافرها .

  • كلف والدها الشيخ عبدالعزيز بأنشاء أول مدرسة تنظيمية في البحرين وكان عضوا في لجنة اتفاقية تسليم جدة بعد ان فتحها ابن سعود .

  • اصبح والدها ناظرا لمدرسة في الفحيحيل فكانت أول طفلة تتلقى العلم بين أولاد متفوقة عليهم .

  • جمعت بين التعلم في المدارس النظامية في الفحيحيل والتلقي على يد الملاية بدرية العتيقي في الكتاتيب !

  • أصبحت أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ثم ناظرة، فأحبتها الطالبات لمودتها ومراعاتها لهن والمدرسات لتعايشها مع ظروفهن.

  • عملت بروح القانون لا النص حينما سمحت لطالبات ” بدون ” راسبات بالاستمرار في الدراسة رغم قرار المعارف بفصلهن .

  • حملت الميكروفون وجالت شوارع الأحمدي بسيارتها تحث المواطنين على التبرع دعما للجهاد الفلسطيني في حرب 1967.

  • تركت استكمال دراسة الماجستير في الأزهر وانضمت إلى لجنة الإعاشة في مصر لدعم  لدعم تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

 

النشأة

 

قرية الفحيحيل كما بدت في الماضي
قرية الفحيحيل كما بدت في الماضي

يمهد الكاتب والباحث د . سعود الديحاني لأرضية بحثه بتقديم نبذة مهمة عن بيئة نشأة السيدة موضي ، فيشير إلى ولادة موضي عبد العزيز محمد العتيقي عام 1352 هجرية ( 1933 م ) في بيت نبغ فيه كثير من العلماء ” يرحمهم الله ” الذين كان لهم الدور المشهود في نشر العلم الشرعي ، حيث كان والدها الشيخ عبدالعزيز العتيقي أحد أقطاب العلم والتربية في الخليج ، وله الأثر البارز في مسيرة موضي العلمية والعملية ..

 

وقفة مع الوالد

 

ويستطر قائلا : وُلد والد موضي الشيخ عبدالعزيز سنة 1300 هجرية ( 1882 م ) في بلدة المجمعة ، عاصمة أقليم سدير ، وتربى في بيت علم ودين ، حيث ورث العلم على يد جده لأمه الشيخ إبراهيم محمد العتيقي  ” يرحمه الله ” قاضي المجمعة وأحد علمائها في زمانه .

 

وكان الشيخ عبدالعزيز ” يرحمه الله ” تواق للعلم ، فأخذ يتنقل بعد تعليمه على يد جده بين البلدان، والتقى المشايخ والعلماء ، فتنقل بين الكويت والأحساء والبحرين .

 

اعمال قام بها الوالد

 

وهنا نورد ملخصا لأهم ما تقلده والدها الشيخ عبد العزيز :

– كلف في البحرين بالإشراف على المعارف لمدة أربعة سنوات ، ويعود له الفضل – بعد الله – في وضع النظام الأساسي لأول مدرسة عصرية في البحرين والخليج .
– كانت له رحلات دعوية في الشرق الأقصى بين ملاوي واندونيسيا والهند .
– شارك في لجنة تسليم جدة بعد أن فتحها الملك عبدالعزيز آل سعود ، وتنفيذ اتفاق التسليم سنة 1344 هجرية .
– عمل مساعدا ونائباً للأمير فيصل بن عبدالعزيز حاكم مكة والحجاز .
– كان عضواً في مجلس الشورى للهيئة التأسيسية لتنظيم أسس حكم الحجاز.
– عمل متطوعاً في التعليم الأهلي في المجمعة وتتلمذ على يديه الكثير من علمائها ,
– عاد إلى الكويت ، حيث درس في مدرسة المباركية ، وأصبح ناظراً للمدرسة القبلية ، كما أصبح أول ناظر لمدرسة نظامية أنشأت في الفحيحيل عام 1949 م حتي 1958 م ، حيث كان التعليم المتعارف عليه ينقسم إلى ثلاث مراحل دراسية ، وتتميز الدراسة بفترتين صباحية ومسائية ، وبعد انتهاء المراحل الثلاث تحل العطلة الصيفية.

 

الباحث سعود عويض الديحاني فبي أحدى مزارع الفحيحيل القديمة
الباحث سعود عويض الديحاني فبي أحدى مزارع الفحيحيل القديمة

موضي الطفلة

 

يوضح د. الديحاني هذه الحقبة ومجرياتها حيث يشير إلى أنها بمثابة البيئة العلمية الحاضنة للسيدة موضي العتيقي ، حيث كانت ترافق والدها ” يرحمه الله ” وهي طفلة ، في عمر خمس سنوات إلى المدرسة القبلية التي كان ناظراً لها ، فألحقها بالصف الأول لكي تتعلم وتستفيد ،رغم أنها البنت الوحيدة في الفصل ، وحصلت على شهادة الصف الثالث بتفوق بعد اجتياز المراحل الثلاث.

 

موضي والملاَّية

 

وينوه الباحث د.الديحاني إلى تأثير التعليم التقليدي( الكتاتيب) على شخصية موضي  ، مشيرا إلى أن والدها الشيخ عبدالعزيز كان يستغل العطلة الصيفية ويلحقها بمدرسة الملاية بدرية العتيقي ” يرحمها الله ” ، في فريج الشاوي في القبلة ، وفق نظام الكتاتيب ، حيث تميزت الملاية بدرية عن سواها – بالإضافة إلى تعليم القراءة والكتابة – بتعليم القرآن والحساب وبعض فنون اللغة العربية ، وتدريب البنات على الحياكة والتطريز ، وتنظيم الرحلات (الكشتة).

 

تميزها على أقرانها

 

وفي عام 1937- 1938 م انتقلت موضي إلى أول مدرسة بنات أفتحتها الدولة ، عُرفت باسم ” المدرسة الوسطي ” ، وضمت ثلاثة فصول دراسية ، غير ان تقدم المستوى العلمي لموضي رغم صغرها ، دفع ادارة المدرسة إلى وضعها في الشعبة الثالثة التي تناسب عمرها .

 

موضي العتيقي مع حفيداتها
موضي العتيقي مع حفيداتها

 

ويلمح الباحث د .الديحاني إلى استفادة موضي من مكتبة والدها الزاخرة بعلوم الأدب والتاريخ واللغة ، فقضت أوقاتها بينها ، تزخر مما فيها ، خاصة وانها محبة للقراءة .

 

وفي هذه المرحلة التعليمية ( المتوسطة ) أصيبت والدتها بمرض عضال ، أقعد موضي عن الدراسة لترعى شؤون أسرتها ، ما اضطرها إلى ترك الدراسة ، وتزامن ذلك مع تداعيات الحرب العالمية ، حيث لقيت والدتها وجه ربها في المستشفى الأمريكاني في أواخر عام 1949 م ” يرحمها الله “.

 

موضي المعلمة

 

الشيخ عبدالعزيز محمد العتيقي
الشيخ عبدالعزيز محمد العتيقي

ويواكب الكاتب تطورات الأحداث حيث يوضح أنه وفي نفس العام 1949 م ، انتقل والدها الشيخ عبدالعزيز العتيقي مع أسرته إلى قرية الفحيحيل للأشراف على مدرسة ” عثمان بن عفان ” التي أنشأتها المعارف هناك حديثاً، وعٌين أبنه محمد مدرسا في المدرسة نفسها ، وعندما أرادت المعارف افتتاح مدرسة للبنات في الفحيحيل ، أشترط اهل المنطقة التي يحظى الشيخ بمودة ومكانة لديهم أن تتولى أبنته موضى التعليم فيها ، فكان ذلك بعد اجتيازها الاختبار ، ، فكان عام 1951 م هو أول عام لمدرسة البنات هناك، وكانت هي أول معلمة كويتية فيها ،، تقاسمت التدريس مع المدرسة سميحة الحاج أبراهيم ، المبعوثة من فلسطين . .

 

والناظرة

 

وتوالت السنون وتراكمت الخبرات التعليمية من واقع الدورات والأنشطة الثقافية والاجتماعية لدى موضى العتيقي ” يرحمها الله ” وتنقلها بين المدارس والمراحل المختلفة ، وتقلدها منصب ناظرة في بعض مدارسها، وهو ما فصله الباحث سعود الديحاني بدقة في كتابه الموثق بالصور والشهادات والمعلومات مقرونة بالتواريخ والأزمنة .

 

الفحيحيل القديمة 

 

ولا يغفل الباحث د .الديحاني عن إعطاء فكرة عن طبيعة البيئة الاجتماعية التي عاشتها موضي في الفحيحيل ، حيث ينوه إلى معاصرتها بيوت الفحيحيل الطينية ، والنقعة التي ترسو بها سفن الأخشاب في المنطقة ، والمزارع والبساتين ، وآبار المياه العذبة التي كان يشرب منها الناس ، كما شهدت ” بحرة الفحيحيل ” التي كانت تسيل وقت المطر كالنهر الجاري ،منوها أن اهم الأحداث التي شهدتها السيدة موضي تمثلت بالأضرار التي ألحقتها ( الهدامة ) بأمطارها الكثيفة المتتالية لأيام عدة على الفحيحيل ، وغطت الكويت ومناطقها.

 

جانب من طالبات مدرسة أبوحليفة الأبتدائية سنة 1962 م
جانب من طالبات مدرسة أبوحليفة الأبتدائية سنة 1962 م

 

الجانب الأنساني

 

يتوقف د. الديحاني عند الدور الإنساني اللافت في شخصية السيدة موضي ، حيث يبرز ويتجلى في أواخر السبيعينيات حين اصدرت وزارة التربية أنظمة تحول دون التحاق أبناء ( البدون ) ممن لا يحملون وثيقة انتماء للكويت او غيرها ، بالتعليم العام الحكومي ، وإذا رسب الطالب لا يسمح له بإعادة السنة الدراسية ، فما كان من موضي إلا أن اتخذت قراراً بان لا ترفع أسماء الطالبات الراسبات من أبناء فئة ( البدون ) إلى الوزارة ، بل كانت تضع اسماءهن في كشوف الناجحات ، ولكنها بعد ذلك ترجعهن إلى السنة التي رسبن فيها مرة أخرى ، وكانت تبلغ أولياء الأمور بتصرفها لكي لا تختلط الأمور ، ليجتهدوا في تدريس ابناءهم للتحقيق النجاح .. فعملت بروح القانون لا نصه .

 

طالبات يعبرن عن حبهن وتقديرهن لمربيتهم موضي العتيقي
طالبات يعبرن عن حبهن وتقديرهن لمربيتهم موضي العتيقي

 

المودة واللين

 

وعُهد عنها ” يرحمها الله ” انتهاجها الرفق واللين والنصح والتوجيه في معالجة الأمور ، ولم تلجأ إلى العقاب إلا  في الحالات القصوى ، ورغم ذلك لم تكن تتهاون مع ظاهرة الغياب والانقطاع لدى المدرسات او الطالبات ، لما له من ضرر على تحصيل الطالبات ، تجدر الإشارة ان العلاقة بين موضي والمعلمات لم تكن علاقة عمل ، بل كانت اخت لهن في داخل المدرسة وخارجها ، وتشاركهن الأفراح والأحزان .

 

دعم نضال القضية الفلسطينية

 

المخيمات الفلسطينية بعد تشريد الأهالى واحتلال القدس
المخيمات الفلسطينية بعد تشريد الأهالى واحتلال القدس

وهنا يشير الكاتب د. الديحاني إلى انتقال السيدة موضي إلى منطقة الأحمدي لتكون قريبة من مقر عملها في عقد الستينيات ، حيث تتميز بحدائقها ومرابعها وساحاتها الخضراء ، ويسكنها أناس من جميع الجنسيات العربية والأوربية والآسيوية ، وهو مكون يختلف عن منطقة الفحيحيل .

 

وينوه إلى أنه في تلك الحقبة من عام 1968 م وحين دارت الحرب ضد العدو الصهيوني ،  قامت السيدة موضي بحملة لجمع التبرعات لدعم النضال الفلسطيني ، فتقضي وقت الصباح في عملها في المدرسة بالأحمدي ، وبعد انتهاء العمل ، تنطلق في جولة بسيارتها مع زميلتها سميرة الكيالي “يرحمهما الله ”  ، التي تمسك لها الميكرفون ، لحث الناس على التبرع ومساعدة إخوانهم المجاهدين في فلسطين، بصفته واجب شرعي ، وتأخذان ما تم جمعه من التبرعات إلى جمعية المعلمين بالدسمة، التي تتكفل بدورها في إيصاله لدعم صمود الشعب الفلسطيني .

 

مواصلة التعليم

 

ويوضح الكاتب ان السيدة العتيقي رغبة في الاستزادة بالعلم والارتقاء – توقف مشوارها التعليمي عند المرحلة المتوسطة -رغم تقلدها منصب ناظرة – فقد عادت إلى مقاعد الدراسة لتكمل المرحلة الثانوية عام 1972 م ، والتحقت بعدها بجامعة الأزهر عام 1980 م حيث تخصصت في ” الفقه المقارن ” ، وعادت إلى الكويت بعد حصولها على الشهادة الجامعية الأزهرية ، حيث عينت استاذة لمادة الفقه في المعهد الديني في الفحيحيل عام 1985 .

 

الدراسات العليا

 

ومن جديد، يشير د.الديحاني إلى عودتها إلى الأزهر لاجتياز الماجستير ، حيث اختارت موضوع ” مواطن الاختلاف الفقهية بين الفرق الإسلامية ” ولقيت اشادة وتقدير على مادة الموضوع من المشرفين على دراستها ، ولكنها لم تكمل الدراسة بسبب وقوع محنة الغزو العراقي للكويت عام 1990 م ، فالتحقت بالعمل التطوعي بكل اشكاله لدعم تحرير الكويت ومساعدة الشعب المشرد ، فعملت في السفارة الكويتية بالقاهرة ضمن لجنة الإعاشة لرعاية الكويتيين داخل مصر ، كما عملت مدة بالمدرسة الكويتية التي افتتحت لطلبة الكويت في مصر .

 

الشيخ سعد العبدالله ملوحا بالنصر بعودة الشرعية للكويت
 الشيخ الوالد سعد العبدالله ” يرحمه الله ” ملوحا بالنصر بعودة الشرعية للكويت

 

عودة الشرعية و استدال الستار 

 

بعد تحرير الكويت وعودة القيادة الشرعية لها ، كان للسيدة موضي العتيقي ” يرحمها الله ” أدوار عديدة مع اخوانها من الموطنين والمواطنات في إعادة بناء الكويت وترميم ما تم هدمه ، نشرها الكاتب د. سعود الديحاني ووثقها بشكل تفصيلي ومسهب رائع ، يمكن الرجوع إليه ، للوقوف بتوسع على نضال هذه السيدة في فترة حرجة وصعبة ..وقد اسدل الستار على مسيرتها العطرة بانتقالها  الى الرفيق الأعلى في شهر إبريل من عام 2015 م ، فرحمة الله عليها واسكنها فسيح جناته ومن صنع صنيعها بتفريج كرب الناس والتسامح والتيسير عليهم بإذنه تعالى .

 

كاتب وكتاب 

 

 

يقع كتاب (موضي عبدالعزيز العتيقي ..أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ) للمؤلف سعود عويض سعود الديحاني في 179 صفحة من الحجم الوسط ، طُيع ( الطبعة الأولى عام 1436 هجرية – 2015 م ) .

 

أقرأ أيضا :

 

تواصل مع تراثنا

 

اترك تعليقاً