• Post published:06/04/2021

رؤية قرآنية

فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً

معابد الفراعنة في مصر
معابد الفراعنة في مصر

تراثنا – كتب د. محمد بن إبراهيم الشيباني :

لا يخفي ان طبيعة الانسان اكتنفها الظلم والجهل ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) ، ومهما بلغ مبلغه من العلم ، فهو ظالم لنفسه ولغيره بجهله ، لعدم احاطته بالأمور من كافة جوانبها ، من جهة ، وتغليب مصالحه ، من جهة أخرى، فتأتي رسالات الرسل عليهم السلام مذكرة ومصححة لرؤيته الظلومة الجهولة ، بالرؤية الكاملة العادلة لأبعاد الحقيقة ، التي لن تحابي هذا أو ذاك لمصلحة، فهى العدل المطلق ، وهو ما أخبرت به الرسل عليهم السلام عن ربهم ،( فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) كل من يحود عن ذلك في ضلال وتوهان بعيد .

ضعاف الدين 

اهرامات مصر ...شيدت على أيدي كائنات فضائية !!
اهرامات مصر 

في ظل ذلك التعظيم والتجليل لطغاة طوت التراب جيفهم ، واصبحوا من ذكريات الماضي السحيق ، يبقى على عاتق  من لديه ( أثارة من علم ) الحرص على تذكير الناس،  بمقام هذه الشخصيات عند الله ، خشية أن ينساق بعض ضعاف النفوس والدين ، خلف الجلبة الصاخبة ، فيعدهم من الأقوام الصالحين ، بما تركوه من آثار مبهرة ، فينساق وراءهم ، ويعظمهم في نفوسه ،فيطغى في الارض بطغيان من بهر  بهم  .

الشواهد كثيرة 

والشواهد على ذلك في العصور الماضية ، وعصرنا كثيرة ، فما اكثر الجارين وراء سراب الإنبهار باصحاب الحضارات المادية، فظنوا علوهم في الإرض هو الحق ، فتنازلوا عن آخرتهم لقاء دنياهم العاجلة ، ونسوا ثوابت دينهم .

وفي السياق نفسه ، يقول تعالي:  ﴿وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتّى إِذا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ ﴿٩٠﴾ آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ﴿٩١﴾ فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ عَن آياتِنا لَغافِلونَ﴾ ( يونس ) .

  • من قال بلسان الحال أوالفعل ( أنا ربكم الأعلى ) من استعلاء وتكبر على آيات الله فهو في مقام فرعون موسى .

  • تعظيم الطغاة وتسليط الضوء عليهم فيه عظة وتذكير باجرامهم ومصير من سار على خطاهم عبر الأزمنة .

وفي تفسير الطبري “يرحمه الله” : ﴿ فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ ..﴾ قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لفرعون : اليوم نجعلك على نَجْوةٍ من الأرض ببدنك، ينظر إليك هالكًا من كذّب بهلاكك .

﴿ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً  يقول : لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك..

فينـزجرون عن معصية الله ، والكفر به والسعي في أرضه بالفساد..”

وعن ننجيك يقول : ( النجوة ) الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض .. “

فرعون مصر
فرعون مصر

فرعون موسى 

هذه الآيات ، تحكي الحرب الأخيرة بين موسى عليه السلام وفرعون مصر ، بغرقه وجنده عن بكرة أبيهم ، أولهم وتاليهم ، فلم ينج منهم إلا فرعون ، حيث ألقى البحر بجثته على الساحل ، فرآه من بقي من الشعب الفرعوني .

وكان أغلب من حضر الحدث العظيم من النساء والأطفال والشيوخ الذين لا يستطعيون الحرب ، رأوا صدق وعيد الله لمن قال  (أنا ربكم الأعلى) ، وجعل بدنه عبرة لمن اعتبر ( فاليوم ننجيك ببدنك ) . 

تذكير للطغاة 

من نافلة القول أن هذه الآيات ليست خاصة شعب المصري  وفرعونه آنذاك وحدهم من الأمم ، بل هي خطاب مطلق ، لكل فراعنة الأزمنه السابقة واللاحقة ، والمستكبرين في الأرض إلى أبد الآبدين . 

وقد يستنكر البعض من هذا القول ، بأنه لا يوجد من يزعم إلى نفسه الربوبية في هذا الزمن ، وبالأخص من المسلمين ، بل هناك من لم يقولوها بلسان المقال ، وكان فعلوها بواقع الحال ،بواقع  الاستكبار على آيات الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وبغض الناصحين ، وشيطنتهم بالتهم جزافا كما شيطن السحرة   موسى وهارون عليهما السلام بتهم عدة قالوا فيها ( إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ )، ففي كل زمن وحبقة ، توحي الشياطين لأتباعهم بالتهم المناسبة لزمنها  ، لتبغيض الناس باتباع الرسل عليه السلام ، وصدهم عن ما أنزل الله من آيات الوحدانية وإصلاح البشرية .

مشهود لهم بالجرم 

ولاحظ في قوله (ننجيك ) في نجوة  .. أي في علو ، ليسوا متساوين مع بقية الناس ، بل بارزين للأعين بجلاء ، واضحين بمعاصيهم  واستكبارهم  ،واستعلاءهم عن الحق عبر القرون والأزمنة .

ولن تنفعهم الاضواء الساطعة التي تسلط عليهم ، ولا تفخيم ألقابهم وتعظيمها ، بل هي من لا حيث يشعرون تزيد البغاة وضوحاً ، وتدفع الناس للقراءة عنهم والبحث عن حقيقتهم في التاريخ .

 ولن يتوقف  الباحثون عن عند مظاهر المباني والمعابد والأضرحة العظيمة ، التي بناها أصحابها لتحقيق الخلد لأنفسهم ، ولأظهار قوتهم في الأرض، بل سوف يلتفت من اراد الله بهم التذكير ، إلى زيف تلك الشخصيات ، وطغيانها وغطرستها ، وتعبيد الناس لأنفسهم  ، كما تكشف سفاهة من يعظمها ويجلها ويقدسها .

العرض على النار في القبر 

 وفي النهاية ، فمصير هؤلاء واضرابهم ، كما قال الله عز وجل عن فرعون موسى وجيشه واتباعه ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر.
يقول ابن كثير في تفسيره الكريمة :” فإن أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساء إلى قيام الساعة ، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ” .

(وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾.

فتذكروا يا أولي الألباب ..

شاهدوتيوب – فرعون موسى  )

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً