• Post published:15/01/2020

الحلقة (25) والأخيرة

تدوين الحديث النبوي الشريف

 

محراب الجامع

 

 

تراثنا – التحرير :

 

تواصل تراثنا استعراض جهود علماء الحديث في البلاد والأمصار السائرون على نهج من سبقهم في القرون السابقة في الذب عن السُنة النبوية وصونها ،من علماء السلف رضوان الله عليهم اجمعين ( الحلقات كاملة ) .

 

  • العمل بالسنة المطهرة واجب لا هوادة فيه لا يحيد عنه إلا من في قلبه هوى وزيغ .

  • موالاة الأئمة المجتهدين واجبة ولا نعتقد أنهم معصومون، ومن اعتقد عصمتهم فقد ساواهم بالأنبياء .

  • من أعجب العجب، أن يتجرأ بعض المتفيقهة فيقول: إننا نقرأ الحديث للتبرك لا للعمل به، لأن الأئمة كفونا مؤنة استنباط الأحكام !

  • نهى الأئمة عن تقليدهم بدون معرفة أدلتهم بقولهم : “لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا إلا بعد أن يقف على دليلنا “.

  • علي بن أبي طالب : سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم .

 

 

كتاب تدوين علم الحديث

 

 

وفي هذه الحلقة الأخيرة (25) نستكمل سلسلة حلقات كتاب ” تدوين الحديث النبوي في اربعة عشر قرناً ”من اصدارات مركز المخطوطات والتراث والوثائق ، باستعراض جهود العلماء في القرن الرابع العشر الهجري في الذب عن السنة النبوية الشريفة ( الحلقات كاملة ) .

 

 

علم الحديث نور هداية و سراج للسالكين
علم الحديث نور هداية و سراج للسالكين

علماء القارة الهندية

 

وقام في هذا القرن في شبه القارة الهندية علماء أفذاذ سخروا جهودهم وأوقاتهم بل وأموالهم في نصرة سنة النبي ونشروها وتصدوا لكل مرجف ومبتدع ومحرف لدين الله، نذكر من أولئك:

 

السيد حسن شاه الرامبوري (ت١٣١٢هـ) والقارئ عبدالرحمن الباني بتي (ت١٣١٤هـ) والسيد نذير حسين الدهلوي (ت١٣٢٠هـ) والقاضي محمد بن عبدالعزيز المجهلي شهري (ت١٣٢٠هـ) والشيخ محمد بشير السهسواني (ت١٣٢٣هـ). والفقيه المحدث الشيخ أبي مسعود رشيد أحمد الكنكوهي (ت١٣٢٣هـ) والشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني البهوبالي (ت١٣٢٧هـ) والشيخ عبدالمنان الوزير آبادي (ت١٣٣٤هـ) والمحدث الأديب الشيخ أبي زكريا محمد يحيى الصديقي (ت١٣٣٤هـ) والشيخ عبدالرحيم آبادي (ت١٣٣٦هـ) والشيخ عبدالله الغازي بوري (ت١٣٣٧هـ) والشيخ شمس الحق الديانوي العظيم آبادي صاحب «غاية المقصود» والشيخ أبوسعيد محمد حسين البتالوي (ت١٣٣٨هـ) والشيخ عبدالسلام المباركفوري (ت١٣٤٢هـ) والشيخ خليل أحمد السهارنبوري صاحب «بذل المجهود» (ت١٣٤٦هـ) والشيخ محمد أنور الكشميري ثم الديوبندي (ت1352هـ) والشيخ أبوالقاسم البنارسي (ت١٣٦٩هـ) والشيخ محمد إسماعيل السلفي (ت١٣٨٧هـ) والأستاذ محمد بدر عالم الميرتهي وغيرهم كثير مما لم تطله أيدينا، فهؤلاء كانوا حراس السنة وتدوينها والعناية بها لم تنتكس رايتها ولم تكسد بضاعتها في عصرهم، وهذا من فضل الله الكريم على أمته الإسلامية العظيمة.

 

نور الحسن القنوجي

 

ومن المشتغلين بصناعة الحديث ودراسته والتصنيف : نور الحسن بن محمد صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي (…-1336هـ) وهو ابن العلامة محمد صديق خان. له من المؤلفات «الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات – ط»، في الحديث و«الغنة ببشارة أهل الجنة لأهل السنة – ط» و«الرحمة المهداة إلى من يزيد زيادة العلم على أحاديث المشكاة – ط» و«سلطان الأذكار من أحاديث سيد الأبرار – ط ” .

 

 

جمع الحديث و النبوي في عهدة النبوة و مابعدها في العصور اللاحقة
جمع الحديث و النبوي في عهدة النبوة و مابعدها في العصور اللاحقة

 

 

أبو العباس السلاوي

 

ومن علماء المغرب المشتغلين بالحديث وعلومه أحمد بن محمد، أبو العباس الصبيحي السلاوي (1300-1363هـ) : مؤرخ، من أهل «سلا» بجوار الرباط، مولداً ووفاة. تعلم بها ثم بفاس، وولي نظارة الأحباس (الأوقاف) في آسفي، ثم مكناسة، وتوفي بسلا. له نحو 20 رسالة، منها «باكورة الزبدة في تاريخ آسفى وعبدة» مخطوط، في خزانة الرباط (1303) 54 ورقة و«الأمثال الدارجة» و«رحلة إلى الحج» وكتاب في “بعض عادات أهل المغرب”.

 

 

زخارف ونقوش إسلامية

 

 

أخيرا 

 

٭ العمل بالحديث واجب حتم :

 

العمل بالسنة المطهرة واجب لا هوادة فيه، على كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولا يحيد عنه إلا من في قلبه هوى أو زيغ، والعياذ بالله بقوله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور، الآية: 63.

 

 

موالاة الائمة واجبة :

 

 

نعم، إن موالاة الأئمة المجتهدين واجبة، وواجب أيضاً، باعتقاد أنهم على الخير والهدى، وأنهم بذلوا الجهد، ولم يدخروا شيئاً من الوسع لمعرفة الحق والوصول إليه، ولكن لا نعتقد أنهم معصومون، بل نعتقد أنهم ..

 

يخطئون، ومن اعتقد فيهم العصمة فقد سواهم بالأنبياء صلوات الله عليهم، وادعى لهم النبوة، والله تعالى يقول( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب (40) .

 

كما نعتقد أن الأئمة من أفضل هذه الأمة علماً، وزهداً وورعاً ونصحاً لله، ولكتابه، ولرسوله، ولمجموع الأمة، وأنهم من أدق الناس نظراً وفهماً، وأن الصدق شعارهم ودثارهم.

 

 

الهلال أعلى برج الساعة

 

 

أعجب العجب

 

ومن أعجب العجب، أن يتجرأ بعض المتفقهة فيقول: إننا نقرأ الحديث للتبرك لا للعمل به، لأن الأئمة كفونا مؤنة استنباط الأحكام ومعرفة الحلال والحرام، فلا نعمل إلا بما في كتب الفقه. ويلزم من هذا، بل هو الصريح الواضح، أن القرآن أيضاً لا يقرأونه للعمل بما فيه، بل يقرأونه تبركاً. اللهم غفراً وعفواً، ويحكم، أليس هذا شلاً للعقل، ورداً للكتاب والسنة وصداً عنهما؟ ويح هؤلاء، ألم يقل الله تعالى: القول في تأويل قوله : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) (آل عمران: 32)، وأي وعيد أشد من هذا. وقال عز من قائل: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(الحشر: 7)، وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).

 

يا قوم ألم يُثن الله تعالى على الذين يتأملون الحق فيفهمونه، ويستمعون الصدق فيتبعونه، قال سبحانه: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (الزمر: 18).

 

 

أقوال الأئمة في التقليد

 

 

ثم تعالوا نحاكمكم إلى الأئمة وأقوالهم رحمهم الله، ألم يقولوا لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا إلا بعد أن يقف على دليلنا، وهذا مشهور مستفيض. ولقد صح عن الشافعي رحمه الله أنه نهى عن تقليده أو تقليد غيره. قال تلميذه المزني في أول مختصره: (اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله، لأقربه على من أراد، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من الناس).

 

ثم إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مقصوراً على الأحكام الفقهية، بل فيه الحض على الأدب، ومكارم الأخلاق، ومناقب الصحابة، وتفسير القرآن، وأنباء الماضين، وأخبار الآتين، مما هو من آيات نبوته ، وإعلام رسالته، وفيه السير والغزوات، وفيه عجائب من شمائله، وعظيم تأديبه لأمته وتوجيهه لهم، ودلالتهم على الخير بقوله وبفعله، وفيه دعاؤه الذي ينبت الإيمان كما ينبت الربيع المطر.

 

والعلم إنما يطلب للعمل، وهو حسنة الدنيا المرادة، ومن قوله تعالى:( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (البقرة: 201) .

 

 

 

انطلقت الفتوحات والحروب في صحاري الجزيرة على ظهور الجمال
رحلات طلب علم الحديث في العهود الأولى للإسلام 

 

علمهم لا يتجاوز تراقيهم

 

 

قال الحسن البصري “يرحمه الله ”  : والحسنة في الآخرة الجنة، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يقصدون حلقاً يباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم تلك إلى الله عز وجل ).

 

٭ الخاتمة :

 

قد جعل الله تعالى أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته والوساطة بين النبي وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، ولا يعوجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يُقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته. إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير.

 

رحم الله أئمة هذا الدين، وعلماءه المحدثين، لقد كانوا في الأمم معجزة العلم والتاريخ، جعلهم الله تعالى وسيلة لإنجاز وعده (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر: 9 ).

 

وفقنا الله لاتباع كتابه وسنة رسوله، ورفع لوائهما، وألهمنا محبة أئمة هذا الدين وعلمائه الفاضلين ومعرفة فضلهم، وجزاهم عنا وعن العلم والدين خير الجزاء. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

 

اللهم صل على عبدك ونبيك محمد وآله وصحبه وأزواجه الطيبين الطاهرين وأئمة الدين المهدين السابقين واللاحقين وعنا معهم يا أرحم الراحمين.

 

 

  • المؤلف ” د . محمد بن إبراهيم الشيباني 

*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا 

 

 

تواصل مع تراثنا 

 

اترك تعليقاً