• Post published:09/09/2018
أمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز العلماء بتدوين الحديث وجمعه ونشره قبل اندراسه وذهاب حملته
أمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز العلماء بتدوين الحديث وجمعه ونشره قبل اندراسه وذهاب حملته

تراثنا – التحرير : في الحلقة العاشرة.. تستكمل تراثنا استعراض كتاب ” تدوين الحديث النبوي في أربعة عشرة قرناً ” كاشفة جهود الدولة في الحرص على جمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من الاندراس والضياع وما تلاه من جهود العلماء في عصر التابعين ، وظهور المصنفات والاسانيد وقواعد الجرح والتعديل ( الحلقات كاملة ) .

• العلماء يمتثلون لأمر عمر بن عبدالعزيز بجمع الاحاديث النبوية قبل ان تُدرس ” تختفي ” بذهاب العلماء .
• الزهري يجمع السنن وما جاء عن العلماء ويستخرج منها نسخا توزع في البلدان كافة امتثالاً لأمر الخليفة.
• لم ينقض القرن الثالث الهجري حتى انتهى تدوين الحديث ولم يبق إلا النذر اليسير.
• جرد الامام البخاري في مسنده ما اختلطت به الاحاديث الضعيفة بالصحيحة فأراح طلاب العلم من البحث وعناء السفر .
• لم ينقض القرن الرابع الهجري حتى استوى تحرير الأحاديث على سوقه، وتميز المقبول من المردود، وصحيح الحديث من غير الصحيح.
• في القرن الثاني وقليل من القرن الثالث رأى بعض الأئمة أن يجمعوا أحاديث المروية عن كل صحابي في موضع واحد فأُلفت المسانيد .

تدوين الحديث النبوي
تدوين الحديث النبوي

أمر الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – بتدوين السنة تدويناً شاملاً بعد أن كانت مقيدة عند بعض الصحابة والتابعين، وفي مجموعات إلى مستوى المصنفات والمؤلفات . وقد كتب عمر إلى الآفاق أن : “انظروا حديث رسول الله فاجمعوه” ،وفي كتابه إلى أهل المدينة ما يبين سبب إقدامه على هذه الخطوة؛ وهو خوفه من دروس العلم وذهاب العلماء. ويروي البخاري: «وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم (عامل المدينة): (انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي ).
الامتثال لأمر الخليفة
وامتثل العلماء لهذا الأمر، وجدّوا في جمع الحديث، فهذا ابن شهاب الزهري (ت ١٢٤هـ) – وهو ممن أمرهم الخليفة بذلك – يجمع السنن وما جاء عن العلماء، ويدوَّن كل ذلك، وجمع ما كتبه هو وغيره من العلماء، واستخرج منه نسخاً لتوزع في البلدان كافة.
ووُجِـد في كل مدينة من يهتم بجمع الحديث والتصنيف في السـنة، ففي مكة المكرمة صنف في السـنة ابن جريج (ت ١٥٠هـ)، وسفيان بن عيينة (ت ١٩٨هـ)، وفي المدينة المنورة، مالك بن أنس (ت ١٧٩هـ)، ومحمد بن إسـحاق (ت ١٥١ هـ) ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب (ت ١٥٧ هـ)، وفي البصـرة الربيع بن صبيـح (ت ١٦٠ هـ)، وسـعيد بن أبي عـروبة (ت ١٥٦ هـ) وحمّاد بن سـلمة (ت ١٦٨ هـ)، وفي اليمـن معمــر بن راشد (٩٥ – 153 هـ)، وبالشـام عبدالرحمــن الأوزاعـــي (٨٨ – ١٥٧ هـ) وفي الكوفـــة ســـفيان الثوري (ت ١٦١ هـ).
وفي خراسان، عبدالله بن المبارك (ت ١٨١ هـ) وفي واسط هيثم بن بشير (ت ١٨٣ هـ) وفي الري جرير بن عبدالحميد (ت ١٨٨ هـ) وفي مصر عبدالله بن وهب (١٢٥ – ١٩٧ هـ) ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم ممن نسجوا على منوالهم.
بداية المصنفات
وكانت معظم مصنفات هؤلاء ومجاميعهم تضم الحديث الشريف، وفتاوى الصحابة والتابعين، وأظهر مثل لذلك موطأ الإمام مالك الذي نرى فيه الحديث، وفتاوى الصحابة والتابعين، وعمل أهل المدينة.
أي: يلاحظ مما يتميز به هذا التصنيف للسنة في القرن الثاني للهجرة، أن جمع الأحاديث كان جمعاً مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، كما يُرى في موطأ الإمام مالك، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة (ت ٣٣٥ هـ) .

كتب السنن و الصحاح
كتب السنن و الصحاح

ظهور الاسانيد
أما بَدْءُ إفراد الحديث النبوي بالتدوين مجرداً عن فتاوى الصحابة وأقوال التابعين: فكان على رأس المئتين للهجرة، إذ صنف عبيد الله بن موسى العبسي، الكوفي (ت ٢١٣ هـ) مسنداً، وتلاه غيره من معاصريه.
والمسند: هو الكتاب الذي يرتب الأحاديث النبوية بحسب أسماء الصحابة الراوين لها، فيذكر لكل صحابي ما رواه من الأحاديث، فيقال مثلاً: مسند أبي بكر، مسند عمر، مسند علي…وهكذا استمر الأمر على هذه الشاكلة، فلم ينقض القرن الثالث الهجري حتى انتهى تدوين الحديث، وتم نقله من الصدور إلى السطور، ولم يبق بلا تدوين إلا النذر اليسير، ولكن كانوا يجمعون دون تمييز بين صحيح وسقيم.

 

صحيح البخاري
صحيح البخاري

البخاري وصحيحه
واستمر الأمر على هذه الحال حتى جاء الإمام البخاري، فاختط بنفسه منهج تجريد الحديث الصحيح، وأفرده بالتأليف، فجمع في كتابه «الجامع الصحيح» ما تبين له صحته، فلم ينقض القرن الثالث الهجري حتى انتهى تدوين الحديث، وتم نقله من الصدور إلى السطور، ولم يبق بلا تدوين إلا النذر اليسير، ولكن كانوا يجمعون دون تمييز بين صحيح وسقيم.، بينما كانت المصنفات من قبل يمتزج فيها الصحيح بغيره؛ بحيث لا يقع الناظر على الحديث المقبول إلا بعد البحث عن أحوال رواته، وسلامته من العلل وما إلى ذلك، فإن لم يكن من أهل البحث ولم يتيسر له من يُطْلِعه على ما يريد، ظل أمر الحديث مجهولاً لديه.

صحيح مسلم
صحيح مسلم

الامام مسلم وصحيحه
واقتفى منهج البخاري وحذا حذوه في طريقته الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، فصنف كتابه «الصحيح»، وقد ولد – رحمه الله – بنيسابور سنة (٢٠٤ هـ)، ورحل إلى الحجاز ومصر والشام والعراق في طلب العلم، وأخذ الحديث عن عدد من الأئمة منهم: إسحق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وحرملة بن يحيى وغيرهم، وأخذ عنه الحديث خلق كثير. توفي رحمه الله بظاهر نيسابور سنة (٢٦١ هـ). واشتهر كتابا البخاري ومسلم بـ«الصحيحين.
السنن الأربعة
ثم جاء بعد هذين الإمامين كثيرون، فغنيت هذه الفترة بالكثير الطيب كالسنن الأربعة لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وهكذا.وكان هذا القرن أحفل العصور بجهابذة العلماء والمحدثين، وعظيم المصنفات في الحديث. وكان ما جمع في هذا القرن هو ما يعول عليه العلماء دون ما يرويه الرواة المتأخرون.
وجاء دور جديد، فشرع العلماء في النقد والبحث والتمحيص، وكل ما يتعلق بالرواية والرواة والمروية، على أساس القواعد التي وضعوها لعلم أصول الحديث، فلم ينقض القرن الرابع الهجري حتى استوى تحرير الأحاديث على سوقه، وتميز المقبول من المردود، وصحيح الحديث من غير الصحيح.

علماء الحديث
علماء الحديث

عصر أواخر التابعين
وفي ذلك العصر شاع التدوين وانتشر في جميع الأمصار الإسلامية، تتميماً للفكرة، وحفظاً لنصوص السنة، وحماية لها من الاختلاط بما وضعه عدد من أصحاب النِحَل التي ظهرت في ذلك الوقت من المبتدعة الخوارج  والقدرية وغيرهم، وكانوا يدسون كثيراً ويضعون الأحاديث نصرة لمذاهبهم، وكان جمع السنة في ذلك العصر ليس خاصاً بأقوال النبي وأفعاله، بل كانت تُجمع ويعقب عليها بأقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم مرتبة على أبواب الفقه، كما مر معنا عند ذكر موطأ الإمام مالك في المدينة، فمن عهد كبار التابعين، وهو عمر بن عبدالعزيز الذي أمر أبا بكر بن حزم إلى محمد الزهري، ثم إلى نهاية القرن الثاني.
يظهر مما سبق ما كان عليه أئمة الحديث في هذا العصر من بصيرة نافذة تامة بالسنة ومتونها وأسانيدها، فتراهم غربلوا الرواة، وأقصوا كثيرين منهم عن حظيرة السنة، والتمتع بشرف روايتها، كما ميزوا الأحاديث، فما علموا صحته عملوا به، وما علموا كذبه تركوه، وما تبين لهم ضعفه لم يعتمدوا عليه وحده، وما اشتبهوا فيه توقفوا فيه حتى يظهر حاله، وينكشف أمره، وبذا أصبحوا صيارفة الحديث ونقاد الأسانيد.

رواة الحديث النبوي
رواة الحديث النبوي

الجرح والتعديل

لهذا وجدنا في آخر عصر التابعين، وفي حدود الخمسين ومئة من تكلموا في الجرح والتعديل، فمثلا ضعف بعضهم جماعة ووثقوا آخرين، ومن هؤلاء سفيان الثوري، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وبعدهم جاءت طبقة كذلك، منهم ابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد وأبوداود الطيالسي. فساروا على طريقة سابقيهم.
ثم خطا التأليف خطوة أخرى على يد أئمة عاشوا في القرن الثاني وقليل من القرن الثالث، فقد رأى بعض هؤلاء الأئمة أن يجمعوا الأحاديث التي رواها كل صحابي في موضع واحد، ويقتصر في ذلك على الأحاديث، فألفت المسانيد، وممن ألف في ذلك أبوداود الطيالسي (133-204 هـ) وأسد بن موسى (ت ٢١٢ هـ) وعبيد الله بن موسى (ت ٢١٣ هـ) ومسدد البصري (ت ٢٢٨ هـ) ونعيم بن حماد (ت ٢٢٨ هـ) وأحمد بن حنبل (١٦٤-241 هـ) وإسحاق بن راهويه (161-238 هـ) وعثمان بن أبي شيبة (156-239 هـ).

اقسام الحديث الشريف
اقسام الحديث الشريف

وهؤلاء وإن كانوا قد تقدموا خطوة عن سابقيهم – فأفردوا حديث رسول الله بالتأليف، ولم يخلطوه بأقوال الصحابة والتابعين غالباً – لكنهم لم يميزوا الصحيح من الضعيف، ودونوا هذا وذاك؛ مما يصعب على القارئ تمييز الصحيح من غيره، إلا إذا كان من أئمة هذا الشأن، ومن ذوي الخبرة في ميدانه. هذا مع استمرار التأليف على طريقة المصنفات السالفة الذكر، كما نجد ذلك في مصنف عبدالرزاق الصنعاني (ت ٢١١ هـ).
هكذا انتهى القرن الثاني على هذا الجهد المشكور .

يتبع لاحقاً

  • حلقات سابقة “تدوين الحديث”هنا  تابعنا هنا اشترك في ايميل خدمة تلقي الاخبار المجاني هنا اعداد مجلة تراثنا هنا  اصدارات مركز”المخطوطات هنا  جولة بين فهارس مكتبات المركز  هنا مقتنيات تحف معرض مركز المخطوطات هنا
  • ما تنشره الروابط الخارجية لا يمثل بالضرورة رأي تراثنا 

اترك تعليقاً