• Post published:21/11/2018

الحلقة الأولى

 علم الرواية والدراية 

 

تدوين الحديث الشريف وعوامل نشره في الآفاق

 

 

تراثنا – د . رفيق حسن الحليمي *:

 

د . رفيق حسن الحليمي
د. رفيق الحليمي

إذا ألقينـا نظرة سـريعة على واقع الـرواية في الـعصر الجاهلـي فلا نجـد أنـها حملت في طياتها ما يمكن أن يجعل منها علماً بالمعنى الدقيق لمفهوم العلم ، له أصوله وقواعده التي يستند إليها ، ويرى بعض الباحثين أن الـرواية في الـعصر الجاهلي أوشكت أن تـصبح علماً.

 

غير أنها من دون شك لم تبلغ مرتبة العلم إلا بعد الإسلام ، وبعد أن مرّت بعملية « أســلمة » شاملة لمختلف عناصرها سـواء أكان ذلك في الـرواة الذين يُعـنَون بالنـقـل وبالـروايـة عـن غيـرهم ، أم فـي المادة المروية ، وتحديـد مستواها ودرجتهـا من الصحة في الـنقل ، وتمييز الصحيح من غيره ، ممـا قـد يكون موضوعـاً ومنحـولاً ، ومعرفـة مـا هــو قـرآن منـزل من عنـد اللـه وما هو من كلام رسـول الله عليه الصلاة والسلام  ، أو من كلام البشـر، وهو أمر مقدس لـه جلاله في النفوس وعظمته في القلوب ، ولـه الأهميـة الدينيـة البـالغة لمـا يـترتب عليه من قضايا فقهية تتصل بالحلال الذي ينـبغي اتباعـه وبالحرام الذي يجب اجتنابه ، وهو أمر لم يكن شـائعاً ومألوفاً في الرواية قبل الإسلام ، التي اقتصرت على مجـرد نقـل الأخبـار والأشـعار دون تحديـد لمسـتويـاتها ولـدرجاتـها من الـصحة ، وليــس معنى هـذا أن الـــرواة في الجـاهليـة لـم يـهتـموا بـدقـة النـقـل ولا بــصحـة الـقـول .

 

  • •الـرواية في الـعصر الجاهلي لم تبلغ مرتبة العلم إلا بعد الإسلام ، وبعد أن مرّت بعملية « أســلمة » شاملة لمختلف عناصرها .

  • • اهتمت الرواية الإسلامية بمصدر الـقـول أو الفعـل ، فإذا كان الـنبـع سـليماً صادقاً كان ما يصدر عنه بمنزلتـه من الصدق والثبـوت .

  • • جعل الإسلام الرواية بمنزلة ” شهادة ” وهو مصطلح يفرض على الراوي ضرورة الالتـزام بمبـدأ الأمانـة والصدق.

  • •إذا ثبت خروج راوي الرواية عن جادة الصواب رُدَّت عليه روايته ،ولم يعد للمسلمين حاجة في روايته ويتوقف الأخذ عنه .

 

ولكن اهتمامهم لم يـبـلـغ ما بـلغـه اهتمام نظرائهم الـرواة في الإسلام ، لا من حيث عدد الرواة للخبر الواحد ( الآيات – الأحاديث)، إذ تـهولنا كثرتهم الكاثرة ، ولا من حيث دقة النقل والتحري في القول ، إذ تدهشنا صرامة المنهج الذي أخـذوا به أنفسهم والتزموه ، ولا من حيث ظهور المصطلحات ، ودلالة كل مصطلح على مستوى صحة الحديث أو الخبر ، ودرجته في الرواية والنقل.

 

طبقة القراء

 

فقد ظهرت طبقة « القراء » الذين تخصصوا في رواية القرآن عن النبي [ وحفظه في الصدور ، « فقد حـفظه في حـياته جماعة من الصحابة ، وكل قطعة منه كان يـحفظها جـماعة كثيرة ، أقلهم بـالغون حـد التواتر » (1) ، وقد اشتهر من بينهم سـبعة لازموا النبـيّ وعرضوا القرآن المحفوظ في صدورهم عليه ، وهم :

: عثمان بن عفان ، عليّ بن أبي طالب ، عبد الله بن مسعود ، أبيّ بن كعب ، زيد بن ثابت ، أبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء (2) .

 

قراءة واحدة

 

وقد كانوا جميعاً على قراءة واحدة هي التي كان عليها رســول الله [ وهي التي أوقفه عليها جبـريل مرتين في العام الذي قبض فيه، يقول أبو عبد الرحمن السلمي : « كانت قراءة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت ، والمهاجرين والأنصار واحدة ، وكانوا يقرأون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان زيد بـن ثابت قد شهد العرضة الأخيرة ، وكان يقرئ بها الناس حتى مات » (3) ، فهذا العدد الكبير من طبقة الحفاظ وغيرهم كثير ممن تتردد أسماؤهم في المراجع تخصصوا في رواية القرآن وحفظه.

 

 

لولا الاسناد لقال من اشاء ما شاء
ظهرت المصطلحات لتحدد مستوى الخبر ودرجته من حيث صحة النقل والدقة في روايته 

 

 

ظهور المصطلحات

 

وقد كان من نتـائج ذلك ظهور مفهوم « التواتر » ، حيث جمع القرآن في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان بطريق التواتر ، وهو الذي روته جماعة يعلم عند مشاهدتهم بمستقر العادة أن اتفاق الكذب عندهم محال (4)، وظهر بجانبه مفهوم « الآحـاد » وهو الخبر الـذي يـرويه فـرد واحـد ، كما ظهـر – فيما بعد – مصطلحات أخرى تحدد مستوى الخبر ودرجته من حيث صحة النقل والدقة في طرق روايته .

 

الاهتمام بالراوي

 

هكذا اهتمت الـرواية الإســلامية بـالرجال سـواء أكانوا مصدر الخبـر أم كانوا رواة لـه ، وبمعنى آخـر اهتمت بالمصدر مصدر الـقـول أو الفعـل ، فإذا كان الـنبـع سـليماً صادقاً كان ما يصدر عنه بمنزلتـه من الصدق والثبـوت ، وقد كان موقف أبـي بكر ] من حادثة الإسـراء بـداية لنشأة علم الـرجال فقد قال لـه المنكرون : إن صاحبك يـقول إنـه أُسـري بـه من مكة إلى بيت المقدس ، فرد عليهم قائلاً: إن قالها فقد صدق ، فهو يـُصدِّق القول ليقينـه من صدق قائله، وقد مرّ معنا : كـيف جـعل الإســلام الرواية شهادة ، وكيف حذر من شهادة الزور والكذب على الله والرسول .

 

 

طالع الحلقة الثانية :

تطور الرواية من الجاهلية إلى الإسلام – الحلقة الثانية 

 

 

٭ في نشأة المصطلحات وأهميتها 

 

لعل أبرز ما يميّز الأشياء من بعضها، ويجعل هذا علماً ومن غيره دون العلم مرتبة ومنزلة وجود « المصطلح » الذي يعدُّ من مكونات العلوم الأسـاسية سـواء أكان علماً مادياً أم علماً إنسانياً، فلا علم من دون مصطلحات، ولا مصطلحات من دون علم ، إضافة إلى وجود المنهج الموضوعي الذي يتّبع لحقيق الغايات .

 

المصطلح حالة إبداع

 

فالمصطلح ليـس مجرد كلمة عابرة ، أو مجرد مفردة من مفردات اللغة التي تضمها الـقواميـس والمعاجم اللغـويـة ، إنمـا هـو تـعبير عن حـالـة ابـتـداع أمـر أو اكتشاف شـيء يحتاج إلى وضع مسمى « مصطلح »، فلا يجد سـبيله إلى ذلك سـوى كلمة تصبح ذات دلالة مقيدة ، تحصر المفهوم العلمي الطارئ في حـدود ، حـددها واضع المصطلح أو واضعـوه ، وهـو – كما جـاء في المعجم الوسـيط – « اتـفاق طـائـفـة على شـيء مخصوص »(5) ، فـلا تشتـرك معها في تـلك الحـدود كلمة أخـرى تنـازعها في ذلك المفهوم ، ليظل الأمر واضحاً ، وغير ملتبـس عند التعاطي به مع أحد الفنون أو العلوم ولا يتأتى ذلك إلا من خلال « عملية تجريد الألفاظ من شـوائب التشـخيص ، وتـخليصها من آثار الانـفعال التي علقت بها منذ الوضع الأول (للغة) ثم تحديد دلالتها في نطاق الاصطلاح المتعارف عليه بين أهل العلم، حتى لا تفضي العبارات إلى لبـس يعوق الإلمام بالأحكام العقلية التي تتألف منها القوانين والأحكام » (6) .

 

(*)كاتب و أكاديمي فلسطيني

 

يتبع لاحقا …

 

المـــراجـــــــع

(1) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن  ج1ص242، السيوطي ، الإتقان ج1ص75 ، ابن عبد  البر ، الاستيعاب ص835

(2) البرهان ج1ص 242

(3) البرهان ج1ص 732

(4) الخطيب البغدادي ، الكفاية في علم الرواية ص05

(5) المعجم الوسيط ( صلح )

(6) التهانوي ، كشاف مصطلحات الفنون

 

تواصل مع تراثنا 

 

 

, , , , أ, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , 

اترك تعليقاً