• Post published:15/12/2019

ابن قتيبة الدينوري : ” وكل قديم كان جديداً في عصره “

 

صراع الحداثة والأصالة
صراع الحداثة والأصالة

 

تراثنا – كتب دفيق حسن الحليمي :

 

لا أحد ينكر وجود ” صراع ” ثقافي بين الجديد وأنصاره ، وبين القديم وأنصاره ، أو بين الأصالة والحداثة ، رافق الأنسان منذ أماد بعيدة .

 

فكل جديد في حياتنا هو ” حادث ” وكل قديم هو أصيل ، وعتيق ومحافظ ، ولكل منهما أنصاره ومؤيدوه ، وهذا يذكرنا بكلمة للعالم الناقد والمؤرخ ابن قتيبة الدينوري ، عندما ذكر في مقدمة كتابه الموسوعي ( الشعر والشعراء ) رداً على أنصار التجديد في الشعر ، ومعارضي القديم ، قال : ” وكل قديم كان جديداً في عصره “، قوله ينطبق على كثير من المبتكرات ، كما ينطبق على الآداب بأنواعها المختلفة .

 

 

 

د . رفيق حسن الحليمي
د . رفيق حسن الحليمي ” يرحمه الله “

 

  • أدب الحداثة في زمننا لا يلتزم بمعايير الأصالة التي تحافظ على الشكل والمضمون من وزن وقافية وموضوعات .

  • سدنة الحداثة الكبار أمثال أدونيس دعوا إلى الغموض والإباحية ونقد كل مقدس بصراحة والقطيعة مع الأصالة !

  • في ومضة بارقة مرت سريعاً من الزمن أفل نجم الحداثيون إلى لا رجعة وعادت آداب الأصالة الجديدة المتجددة .

 

أدونيس
أدونيس

لكن ” الحداثة ” أصبحت في زمننا ، ومنذ عدة عقود مصطلحاً أدبياً له فلسفته ودلالته ، وله رواده وثقافته ، وحصره في لون محدد من الآداب وبخاصة في الشعر والقصة ، في مقابل الآداب القديمة ، وبمعنى آخر ، ليس كل ما هو أدب حديث العهد والنشأة ينضوي تحت مسمى ” الحداثة ” أو يمكن أن نصفه بالأدب الحداثي ، لأن الأدب الحداثي له معاييره البنيوية ( الشكل ) والمعنوية ( المضمون ) فلا يلتقي بحال مع كل ما هو جديد من الآداب الأخرى التي التزم روادها بالمعايير الأدبية القديمة .

 

وإن شئت فقل ” بمعايير الأصالة التي تحافظ على الشكل والمضمون المعروفين في الشعر العربي القديم من وزن وقافية وموضوعات مقبولة .

 

وقد شغلت قضية الأصالة والحداثة كثيراً من النقاد والباحثين ، وصدرت عدة إصدارات بين مؤيد ومعارض .. اتسمت أكثر تلك الإصدارات بالنزوع إلى التهجم والعنف والانتقاد الشديد ، فيما اتسم قليل منها بالنقد والتحليل الموضوعي والمنطق السليم .

 

وقد تجاوز عمر الحداثة – عندنا – اكثر من نصف قرن من الزمن ، شهدها القرن الماضي .. ثم بدأت تظهر في الساحة الأدبية أعمال أخرى غير حداثية ، اتسمت بروح العصر ، ولم تتسم بالحداثة ولا بمقتضياتها ،ولا بما كان ينادي به روادها وسدنتها الكبار ، ( من أمثال أدونيس وغيره ) من دعوات ما يطرحونه من أقاويل تعكس فلسفة الحداثة ، مثل القطيعة المعرفية للماضي ، الغموض ، الإباحية ، الصراحة المكشوفة في نقد كل ما هو مقدس وجليل ، والتهجم والسخرية على نتاج الأدباء الملتزمين بالأصالة .

 

 

 

لقد مرت سنوات عجاف كسني يوسف عليه السلام ، تجلى فيها الحداثيون في الساحات الأدبية والفكرية بلا منازع .. ألا في القليل النادر ، ممن صمدوا أمام التيار الجارف ، وحافظوا على تراثهم وآدابهم .

 

وماهي إلا ومضة بارقة وهباءه عارضة مرت سريعاً في عمر الزمن حتي أفل نجمهم ، وتوقفت مسيرتهم إلى حيث لا رجعة ،وبرزت آداب جديدة ، وهي آداب الأصالة الجديدة المتجددة .

 

* د . رفيق حسن الحليمي : كاتب وأكاديمي فلسطيني غزاوي

 

هامش :

  • نشرت المقال في عدد تراثنا  رقم 57  ( فبراير – مارس 2016 م)

 

 

تواصل مع تراثنا 

 

اترك تعليقاً