• Post published:03/07/2018

 

 

إنتقاءات تراثية أندلسية

 

نحو 1293 عمود من مختلف الرخام و الصوان منقووشة التاج في جامع قرطبة
نحو 1293 عمود من مختلف الرخام و الصوان منقووشة التاج في جامع قرطبة

 

 

تراثنا – التحرير :

 

زاوية جديدة ، نطل  بها عبر تراثنا الالكترونية على القارئ الكريم ، ونقتطف له مما سطر من نوادر المواقف والوصوفات في كتب الرحلات القديمة الموجودة في مركز المخطوطات والتراث والوثائق في الجابرية .

 

و في رحلة اليوم نستعرص ماكتبه العلامة أحمد زكي (*) ” رئيس قلم بمجلس النظار ومساعد السكرتير العام في الجمعية الجغرافية الخديوية ” في وصف رحلته إلى قرطبة و جامع قرطبة عام ( 1310هجري-1892ميلادي)  مما سطره في كتابه “السفر إلى المؤتمر” (**) وهي الرسائل التي كتبها عن أوربة.. ونقتطف منها قوله  :

 

احد محاريب جامع قرطبة
احد محاريب جامع قرطبة

من ابرز ما جاء فيها

• لم تصل مدينة إسلامية ما وصلت إليه قرطبة التي فاقت مساجدها 1600 مسجد وقيل ضعفه .

• أصر المنصور على ابتياع بيت لعجوز به نخلة ولو كلفه بيت المال كله مقابل ارضها لتوسعة مسجد قرطبة.

• أقسم بالله إننى أكثرت من البكاء المر حينما درت في صحون جامع قرطبة وتأملت غرائب لا تخطر على بال من الفخامة والضخامة.

• لا أتصور أن الخشوع الديني يحدث في نفس أي إنسان في أي معبد من المعابد بكيفية وبانفعال أكمل مما رأيته في جامعة قرطبة.

 

الخلفاء وجامع قرطبة

 

الجنة الرائقة التي يسقيها الوادي الكبير وتحفها أشجار الليمون والبرتقال والرمان فينتشر أريجها ويضوع نفحها فيتعطر هواؤها ويطيب المقام بها فإنها بلغت(1600) مسجد وأوصلها آخرون إلى ما يزيد عن ضعف ذلك وأهم ما رأيته فيها هو المسجد الجامع” جامع قرطبة “الذي لا نظير له في العالم الإسلامي وقد كان في مكانه كنيسة فاشترى المكان عبدالرحمن الداخل بمبلغ مئة ألف دينار ثم صرف على بناء جامع قرطبة وتشييده ثمانية آلاف ولكن الملوك والخلفاء الذين أعقبوه لم يقتصروا على ذلك بل رأوا من الضرورة توسيعه والزيادة فيه وعدد هؤلاء الخلفاء ثمانية وكان كل واحد ينفق بقدر سعته ومنهم الحكم أنفق وحده أكثر من (161) ألف دينار وكلها من في المسلمين الذي يخص بيت المال وحده ( وهو عبارة عن خمس الغنائم كما هو معلوم) .

 

 

بهاء و فخامة و بهاء جامع قرطبة تطل بخيلاء على ضفاف البحر
بهاء و فخامة و بهاء جامع قرطبة تطل بخيلاء على ضفاف البحر

 

 

العجوز والنخلة

 

ولما جاء المنصور بن أبي عامر وزير الأندلس المشهورة وعزم على زيادة جامع قرطبة  ليكون مناسباً لاتساع قرطبة وزيادة سكانها كان يحضر أرباب الدور التي يريد نقلهم عنها فيقول للواحد منهم :” إن هذه الدار التي لك يا هذا أريد أن أبتاعها لجماعة المسلمين من مالهم وفيئهم لازيدها في جامعهم وموضع صلاتهم فشطط وأطلب ماشئت “. فاذا ذكر له أقصى الثمن أمر أن يضاعف له وأن تشترى بعد ذلك له دار عوضاً فقال :” تبتاع لها دار بنخلة ولو ذهب فيها بيت المال” فاشتريت لها دار بنخلة بولغ في الثمن (وهو دليل على شدة عناية القوم بأشياء المشرق وكثرة حنينهم إلى النخل الخاص ببلادهم الأصلية، ولعبدالرحمن الداخل ولغيره من الملوك قصائد جليلة في مخاطبة النخل) .

 

 

قصر الحمراء في غرناطة

 

 

فخامة لا تخطر على البال

 

وقد استمر ولما جاء المنصور بن أبي عامر وزير الأندلس المشهورة وعزم على زيادة المسجد ليكون مناسباً لاتساع قرطبة وزيادة سكانها كان يحضر أرباب الدور التي يريد نقلهم عنها فيقول للواحد منهم :” إن هذه الدار التي لك يا هذا أريد أن أبتاعها لجماعة المسلمين من مالهم وفيئهم لازيدها في جامعهم وموضع صلاتهم فشطط وأطلب ماشئت “. فاذا ذكر له ، واعلم أن هذا المسجد الآن عبارة عن كنيسة كتدرائية جامعة وقد بقيت معالمه الرئيسة على ماهي عليه وأقسم بالله إننى أكثرت من البكاء المر حينما درت في صحونه وبين عمدانه ووقفت في محرابه تأملت مافيه من غرائب الاتفاق التي لا تخطر على بال مع الفخامة والضخامة وهو متجلب بجلباب من الجلالة يوجب المهابة التعبدية في نفس الزائر وتجعله يشعر حقيقة بوجود خالق معبود قسم الحظوظ وقدر الأرزاق وأراد ما أراد …

 

 

 

كتبه العلامة : أحمد زكي

مقتطف من كتابه ” السفر إلى المؤتمر “

 

(*) المنصور أبو عامر ( 326-392هجرية ) (938-1002م) . جده عبدالملك كان أول الداخلين الأندلس مع طارق بن زياد .

(**)طبع كتاب” السفر إلى المؤتمر ” في المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية عام (1311هجرية/1894م ) وقد قررت نظارة المعارف العمومية بناء على رأي اللجنة العلمية استعمال هذا الكتاب لتدريس المطالعة في بعض مدارسها الثانوية والخصوصية العالية .

 

 

تواصل مع تراثنا

اترك تعليقاً