• Post published:22/10/2018

سيرة وانفتحت ( الحلقة الأولى )

كتاب مقرر في المرحلة المتوسطة للشيخ يوسف القناعي حفزه لعشق التراث

 

الباحث فهد العبدالجليل يحيط به عبق التاريخ والتراث
الباحث فهد العبدالجليل يحيط به عبق التاريخ والتراث

 

 

تراثنا – حوار خالد أبو قدوم :

 

أمة بلا ماضٍ أمة بلا حاضر».. ولهذا يعكف الباحثون والمؤرخون في كل زمان ومكان على توثيق تاريخ بلادهم ، محافظة على إرثهم من الضياع والاندثار فتفقد الأمة هويتها بين الأمم…الكويت واحدة من البلاد التي حباها الله برجال أخذوا على عاتقهم حفظ تاريخ بلادهم بجميع المجالات، جيلاً وراء جيل، وضيفنا واحدا منهم من الذين شقوا طريقهم بعصامية حتى على كعبه.. إنه الباحث التاريخي فهد العبدالجليل.

 

تراثنا ” استمعت إليه بلقاء يفوح منه عبق الماضي، عائداً بنا إلى أيام الزمن الجميل، لخص فيه قصته من الألف إلى الياء، بلقاء غني بلغة الأرقام والتواريخ، ذكر فيه ما عنده من نوادر الكتب والمجلات والصحف والوثائق والمخطوطات، وكيف جمعها من هنا وهناك ألزمته كثرتها على إقامة متحفٍ خاصٍ به لضم كنزه التاريخي.

 

 

د محمد الشيباني يطلع على كتب تراثية قيمة في متحف العبدالجليل
د محمد الشيباني يطلع على كتب تراثية قيمة في متحف العبدالجليل

• يحوي متحفي 20 ألف كتاب وآلاف المجلات والوثائق والمخطوطات النادرة .

• سافرت إلى الخليج ومصر ولندن وباريس وأميركة بحثاً عن الكتب .

• لم يفلح تخصصي المحاسبي في ثني عن حب وتنمية ميولي الجانح إلى التاريخ والتراث .

• غيرت استراتيجيتي في شراء الكتب.. فبعد أن كنت أشترى الطبعات الحديثة أصبحت أشترى النسخ الأصلية .

• من أجل اقتناء أمهات الكتب .. دخلت المزادات وركبت الجو طائراً إلى لندن وباريس والولايات المتحدة .

• سخرت أدوات الحاضر لخدمة الماضي وبالجوال دخلت اسواق أيباي وأمازون وشاركت في المزادات الإلكترونية والتقليدية.

 

بدأت ملامح حب التاريخ بالتشكل والظهور لدى فهد العبدالجليل مبكراً وتحديداً خلال المرحلة المتوسطة، بعد حصوله على كتاب «صفحات من تاريخ الكويت» للشيخ يوسف بن عيسى الجناعي، المطبوع بالقاهرة عام 1946 المخصص لطلبة المدارس، وقد كانت طريقة كتابته السلسة والبسيطة سببا في كسب الكويت لاحقاً واحداً من ألمع الباحثين التاريخيين الكويتيين الشباب.

 

ترعرع البذرة
هذا الكتاب كان له وقع السحر في نفسه، فمنه انطلق هاوياً نشطاً إلى مطالعة التاريخ وكتبه.. الكويت خاصة والخليج عامة، وهي لا شك هواية مميزة لشخص مميز وبالذات لمن هم في سنه… واستمرت الحال بالهاوي الصغير يشتري ويطالع، وهوايته تكبر معه، المزروعة بذرتها منذ المرحلة المتوسطة، ثم نمت وترعرعت حتى انتقلت معه إلى المرحلة الثانوية متخرجاً منها متفوقاً، بنسبة 95% القسم الأدبي .

 

كانت النية لدى باحثنا الشاب الاتجاه إلى قسم التاريخ بجامعة الكويت، لدعم الهواية بالدراسة الاكاديمية ، لكن استشارة المقربين منه دفعته إلى تخصص بعيد كل البعد عن ميوله فدرس المحاسبة وتخرج فيها عام 1996 ودخل عالم الوظيفة الواسع متسلحاً بشهادته، فتقلد عدداً من المناصب المهمة ببعض شركات القطاع الخاص ولا يزال، اكسبته عضوية في جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية، وعضوية في الجمعية الاقتصادية الكويتية.

 

قد يظن بعضهم وظنهم في محله أن المحاسبة وما فيها من أموال وجمع وطرح ، قد نجحت مع سبق إصرار وترصد في وأد هواية العبد الجليل لكن العكس هو ما حصل وعلى غير المتوقع، فبعد أن كان يمارس هوايته بنظام الهواية، أصبح يمارسها بنظام الاحتراف إن جاز التعبير، بعد أن نضجت الهواية مع الهاوي، واستوت على سوقها، وأصبحت ملازمة له كثوبه الذي عليه، آخذاً بها الى منحنى جديد.

 

 

د محمد الشيباني في زيارة ودية للباحث الشاب فهد العبدالجليل
د .محمد الشيباني في زيارة ودية للباحث الشاب فهد العبدالجليل ومتحفه

 

غيرت استراتيجيتي

يقول العبد الجليل عن تلك الأيام بعد أن رجع بنا الزمن إلى الوراء أكثر عقدين من الزمن : «غيرت من إستراتيجية الشراء فبعد أن كنت أشترى الكتب بطبعاتها الحديثة أصبحت أشترى النسخ الأصلية وكانت الباكورة مع كتاب «تاريخ الكويت» المطبوع عام 1926 في بغداد لمؤلفه عبدالعزيز الرشيد، وهو أول كتاب يتناول تاريخ الكويت بشكل شامل» .

 

ثم توالى شراء الكتب التاريخية بنسخها الأصلية فاشترى أيضاً «من هنا بدأت الكويت» لعبدالله الحاتم المطبوع عام 1961 وكذلك كتاب «مختصر تاريخ الكويت» لراشد الفرحان المطبوع 1960 وكتاب «من تاريخ الكويت» للمؤرخ سيف الشملان طبع عام 1959 وغيرها من الكتب.

 

رحلة البحث عن الكتب

العبد الجليل..وبعد أن انتشر خبره بين الناس كواحد من الباحثين التاريخيين، أخذ أهله وجماعته وأصدقاؤه بمساعدته للحصول على الكتب النادرة..هذا يدله وذاك يرشده للحصول على ضالته .. «ويامن عاين الضالة جزاه الله خير».. ومن هذا جنى كتباً عدة ما كان ليجنيها لولاهم.

 

خوض المزادات
ولم يكتف بذلك بل وظف كل وسيلة خدمة لمراده، فدخل المزادات المحلية واشترى مكتبات كاملة في ثناياها «كتب قيمة» وزاد من آفاق بحثه فاتجه إلى خارج الحدود، موليا وجهه شطر دول الخليج ومصر وإن منعه مانع أو عاقه عائق كانت «الاستعانة بصديق» الحل الأمثل والعراق مثال.

 

وكون الباحثين عن الكتب، أشبه بالباحثين عن الذهب، لا يكلون ولا يملون حتى يشبعوا مرادهم، وصل به الأمر إلى أبعد من الحدود بكثير فركب الجو طائراً إلى لندن وباريس والولايات المتحدة، كل هذا من أجل عيون أُمَّهاتِ الكتب.. وهي لا شك تستحق..وأما عن الأسعار فحدث ولا حرج وعن هذا يوضح العبدالجليل ولسان حاله يقول اللي ما يعرف الصقر يشويه:” قد يظن كثير من الناس أن الباحثين التاريخيين يشترون كتبهم القديمة من أصحابها بدراهم معدودة وكانوا فيها من الزاهدين، وهذا ظن في محله أحياناً، ولكن الغالب أنها تباع بأثمانٍ عالية وأحياناً عالية جداً تناطح الألف والألفين !!» ثم يضيف مبتسماً: «ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهرا». فابتسمت معه.

 

 

الباحث العبدالجليل يقدم شروح لمحتويات معرضه لكبار الزوار في احد المعارض
الباحث العبدالجليل يقدم شروح لمحتويات معرضه لكبار الزوار في احد المعارض

 

التراث ولغة العصر

لم يَفُت العبد الجليل باباً إلا طرقه، ولا طريقاً إلا سلكه، بحثاً عن مبتغاه، فالكتاب ضالة الباحث أينما كان شد إليه الرحال وأياً كان سعره دفعه مطمئن البال، وما لقاء الباحث بكتابه إلا أشبه بلقاء الحبيب بمحبوبه، لهذا واجب عليه أن يواكب لغة العصر «النت» بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ومن بكين إلى برلين، وهو جالس على أريكته.

 

هنا يغير باحثنا من جلسته ويقول بنبرة الواثق ممسكاً بهاتفه الجوال : ” من خلال هذا الجهاز الصغير أجول العالم شرقاً وغرباً مقتحماً المواقع الإلكترونية المحلية منها والعالمية، مثل السوق المفتوح وأيباي وأمازون وغيرهم، بل وأشارك في المزادات الإلكترونية كما التقليدية، فاشتري الكثير منها كلها تخص خطي الذي خططتُهُ لنفسي تاريخ الكويت والخليج” .

 

اللقاءات الاجتماعية

ويضيف : ” النت والسفر والمزادات وإن كانت جوانب مهمة، لكن معرفة زملاء المهنة أهم، ولهذا أحرص على التواجد الدائم في تجمع غير رسمي لأصحاب المكتبات الخاصة نتبادل خلاله الأخبار والكتب أحيانا ” .

ومصداقاً لذلك فمن يدري.. فرب كتاب قطع الباحث من أجله آلاف الكيلومترات دون جدوى، وإذ بزميله الجالس بجواره يهديه منه نسخة مكررة لديه.. حقا إنها دنيا غريبة !! لكن أحياناً تبحث عن كتاب فلا تجده ألبتة لندرته، كديوان شعر خالد العدساني المطبوع في بداية القرن الماضي في الهند، والتي عجزت حتى أسرة الشاعر عن الحصول على نسخة منه.

 

حينها سالته : لماذا لا تعودون إلى المطبعة التي طبعته ؟!

فأجاب والألم يعتصره : ” يظن بعضهم أن آخر الدواء الكي وأن الحل يكمن في الرجوع إلى المطابع التي طبعت تلك الكتب النادرة المفقودة، ولكن المعضلة تكمن في أن جلها إن لم يكن كلها قد «غلقت الأبواب» بعد مرور اكثر من قرن على افتتاحها “.

 

ثروته التاريخية

الآن وبعد مرور سنوات عدة وأعوام مديدة على هواية الباحث التاريخي فهد العبد الجليل واستناداً للتطور الطبيعي للهواية، أصبح لديه حصيلة هائلة من الكتب والوثائق والمخطوطات والصحف والمجلات ينوء بحملها أولو القوة من الرجال، حتى وصل عدد الكتب إلى 20 ألف كتاب والمجلات يتراوح عددها بين 5 – 10 آلاف مجلة ومثلها الصحف وكذلك الوثائق. وأمام تلك الثروة التاريخية الكبيرة أنشا متحفاً خاصاً به يليق بمقامها، غير متاح للعامة، يضم به مكتباته المتعددة تحت سقف واحد وقسمه إلى أقسام بمهنية واحتراف.

 

 

الباحث وليد الغانم يتفقد أحد الكتب النادرة في متحف العبدالجليل
الباحث وليد الغانم يتفقد أحد الكتب النادرة في متحف العبدالجليل

 

اقسام المتحف

يمسك بيدي ويأخذني في جولة سريعة داخل متحفه ويشير: «هذا قسم الأعلام والتراجم – وهذا الأنساب – وهنا التراث والتاريخ البحري – وهنا التاريخ التعليمي – وخلفه التاريخ الثقافي – وبجواره التاريخ الصحي – والتاريخ الاجتماعي..إلخ».

 

الكتب النفيسة الحاوي لها متحفه منوعة وتروي بموضوعية عدداً من جوانب التاريخ الكويتي وعلى سبيل المثال لا الحصر:

 

«ديوان الأرج من ديوان ابن فرج» لشاعر الكويت والخليج الأول عبدالله ابن محمد الفرج، المطبوع في مومباي عام 1919 في المطبعة السورتية، وهو من الكتب النادرة جدا ومصوغ بالشعر النبطي الذي يعد الشاعر واحداً من مؤسسيه، وهو من الدواوين المهمة التي وثقت أشعار الفرج باللهجة العامية، وأما الدواوين الفصيحة فمفقودة كحال غالبية الشعراء.

 

وكذلك ديوان «الطراز الأنفس من شعر الأخرس» للشاعر العراقي عبد الغفار الأخرس، وهو ديوان طبع بإسطنبول عام 1887 ، وقد مدح الشاعر بإحدى قصائده حاكم الكويت عبدالله الثاني، كما له أبيات مشهورة قالها لما زار الكويت «سنة الهيلك» 1868 وهي السنة التي عمت فيها مجاعة بأهل فارس والجزيرة العربية، فلجأ كثير من الناس إلى الكويت فأكرم الكويتيون وفادتهم أيما إكرام، وكان من أشهر المحسنين حينها يوسف البدر ويوسف الصبيح، فكان مما قال فيهما الأخرس :

 

 

إن الكويت حماها الله قد بَلَغتْ

باليوسَفْين مكان السبعة الشهبِ

تاللهِ ما سمعت أُذُني ولا بصرت

عـيني بعـزهمـا فـي سـائـرِ الـعـربِ

 

وبينما نحن نسير في أقسام متحفه وإذ بالعبد الجليل يتناول من وسط الأرفف ديواناً له مكانة خاصة عنده يكشف سرها: ديوان «روض الخل والخليل» للشاعر عبدالجليل الطبطبائي يمتاز عن غيره بطبعته الحجرية ، ومطبوع في المطبعة الصفوية في مومباي عام 1882 . ويضيف : ولدي أيضاً من النوادر ديوان «سبائك العسجد في ذكر أحمد ابن رزق الأسعد» وهو للشيخ عثمان ابن سند النجدي، وذكر فيه مناقب الأسعد احد أكبر تجار الكويت والخليج في القرن 18 المطبوع بمطبعة البيان بمومباي 1897 ، وهو من الدواوين المهمة التي وثقت تاريخ تأسيس الكويت عن طريق «بني عتبة» ( العتوب) .

 

التراث البحري

 

ولأن أهل الكويت أهل بحر، كان طبيعياً أن يضم متحفه كثيراً من كتب التراث البحري الكويتي، مثل كتاب «الدليل المحتار في علم البحار » المطبوع عام 1924 للنوخذة وملاح الكويت الأول عيسى بن عبدالوهاب القطامي، وهو كتاب يتكلم على خطوط الطول والعرض والسفر الشراعي والأدوات والأجهزة البحرية وقياس المجاري ومواقع السفن في البحار ، وللقطامي كتاب آخر على درجة عالية من الأهمية «خالص من كل عيب بوضع الجيب» المطبوع 1924-1925 وهو كتاب مختص بتثمين اللؤلؤ ويستخدمه الطواش المختص بشراء وبيعه اللؤلؤ.

 

ليس هذا فحسب فلدى العبدالجليل أيضاً أحد الكتب النادرة المطبوعة في الهند عام 1911 ومكتوب باللغة الكوجراتية إحدى اللغات الهندية للطواش الشهير عبداللطيف العبدالرزاق، كما يمتلك كتابين آخرين باللغة نفسها . والتخصص ، أحدهما للطواش عبدالعزيز الابراهيم المطبوع في الهند عام 1906 والآخر للطواش جاسم الإبراهيم المطبوع أيضاً في الهند عام 1911 …كما لديه طبعات قديمة اعوام : 1850 ، 1860 ، 1870 لفطاحلة الشعراء العرب أمثال الفرزدق والمتنبي وأبي تمام.

 

 

يتبع في الحلقة ( الثانية ) : قصة فهد العبد الجليل مع التراث من الألف إلي الياء  الحلقة ( 2 ) والأخيرة 

 

 

 

 

تواصل مع تراثنا 

المقالة تحتوي على تعليق واحد

  1. محرر تراثنا

    لقاء صحفي تجريه مجلة تراثنا وموقعها الالكتروني مع الباحث التراثي فهد العبدالجليل ..ليتحدث عن رحلته في عالم التراث وجمع المقتنيات التراثية والمخطوطات والوثائق وما بذله من جهود لتكوين لبنات متحفه الذي حوى ما يزيد على 20 الف كتاب بالاضافة الى الصحف والمقتنيات القديمة ..

اترك تعليقاً