• Post published:27/03/2019

مدنية الحضارة الإسلامية سبقت مدنية الغرب

قسم خاص لرعاية الطيور ملحق بقصر طوبقابي بإستانبول ّ( القصر الأمبراطوري)
قسم خاص لرعاية الطيور ملحق بقصر طوبقابي بإستانبول( القصر الأمبراطوري)

تراثنا – د. محمد أحمد عبد الرحمن عنب (1)
كَان المُسلمون دَائماً سبّاقين في كَافة أَوجه الحَضارة الإنسانية، وظَهر هَذا جَلياً في مَجال الرِفق بِالحَيوان والطيور؛ وَجَاء ذَلك بِفهمهم لرُوح الإسلام السَمِحة، ونُصوصه الكَثيرة التي تَحُض عَلى قِيمة الرَحمة والرِفق بِالحَيوان، فَالإسلام دِين الرَحمة والرِفق والعَطف والإحسان؛ وهَذه المَبادئ جَاءت بُوضوح في الكَثير مِن نُصوص القُرآن الكَريم والسُنة المُشرّفة، فقد جَاءت تَسمية بَعض سُور القُرآن بِأسماء بَعض الحَيوانات لِلدلالة عَلى الاهتمام بها.

• سبق الاسلام الغرب برعاية الحيوانات وأسس دور ترعاها تطبيقاً لعشرات النصوص في الكتاب والسنة.

• جعل الإسلام رحمة الحيوان والعطف عليه سببا لدخول الجنة .

• شيد الخلفاء عبر التاريخ أحواض لسقي الدواب اقتداء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام .

• خُصص لأحواض سقي الدواب قائم مُهمته الاهتمام بِنَظافتها ومُتابعة سَقى الدَواب وَمَلء الحُوض .

الرفق بالحيوان من أسباب دخول الجنة في الإسلام
الرفق بالحيوان من أسباب دخول الجنة في الإسلام

من سمات الحضارة الإسلامية

ويُعتبر الرِفق بِالحيوان مِن أَهم سِمات الحَضارة الإسلامية التي دَعت إليها تَعاليم الدِين الإسلامي ونصّت عليه كتب الفقه الإسلامي، لقد وضع الإسلام مَبدأ الرِفق بالحَيوان مُنذ القِدم خِلافاً لِما يَظنُه البعض مِن أن الأوربيين هُم أول مَنْ اهتم بِرعاية الحَيوان وتَأسيس دُور الرِعَاية لَها، وَقَد جَاءت عَشرات النُصوص تَدعو إلى الرَحمة بالحيوان؛ وَهذه الرَحمة قَد تَكون سَبباً فِي دُخول الجَنة؛ كَما في قِصة الرَجل الذي نَزل بِئراً وَسَقى كَلباً كَان يَلهث مِن العَطش، فَجَازاه الله عَن ذَلك بِدخُول الجَنة(2)، وَلقد كَان النَبي صلى الله عليه وسلم أول مَنْ دَعا للرِفق بِالحَيوان والطُيور والعَطف عَليه، وَقَد صَار الحُكام والخُلفاء مِن بَعده اقتداءً بِسنته عَبر العُصور التَاريخية .

 • الحقت أحواض سقي الماء بالمنشآت المعمارية وانتشرت في مصر وبلاد حكمها المماليك والعثمانيين.

وَقَد تُرجم ذلك إلى أَفعال حَيث خُصصت مُنشآت مِعمارية مَستقلة خَاصة بِرعاية الحَيوانات؛ تِلك التي تَميزت بِها الحَضارة الإسلامية عَن غيرها عَبر العُصور التَاريخية، ومِن أشهر هذه العَمائر (أحواض سَقي الدَواب)؛ وَهَي عِبارة عَن أَحواض مُلحقة بِالمُنشآت المِعمارية المُختلفة تَهتم بِشؤون الحَيوانات وسقيها، وقد عُرفت هَذه الأحواض وانتشرت بكثرة في مِصر وبِلاد الشام خِلال العَصرين المَملوكي والعُثماني وهي أحواض غَالبيتها حَجرية وبَعضُها رُخَامية، وَكَان يُراعى فِيها أن تَكون بالقُرب مِن أطراف المُدن وَأبوابها؛ حَيثُ تَكثُر حَركة الخَارجين والدَاخلين مِن المُسافرين والتُجار، كَما اتخذت مَوضعاً مُتميزاً في العِمائر بِالوَاجهات الرَئيسية لها، ليَسهل شُرب الدَواب منها.

حوض سقي الدواب الملحق بمحموعة السلطان قايتباي
حوض سقي الدواب الملحق بمحموعة السلطان قايتباي

التكوين المعماري للإحواض
والتَكوين المِعماري لِهَذه الأحواض عِبارة عَن مِساحة مُستطيلة أو مُربعة الشكل تُشبه الإيوان مُغلقة مِن ثَلاث جَوانب والجَانب الرابع مَفتوح عَلى الطَريق لتسهيل دخول الدَواب المُختلفة للشُرب مِن هَذه الأحَواض التي تَتخذ أشكالاً وطُرزاً مُختلفة مُعظمها مَستطيل الشكل وَالقَليل مِنها بَيضاوي أو دَائري، وخُصصت بها أماكن مُظللة للدَواب تَقف وتَستظل بها، وَخُصصت لهذه الأحواض أَوقاف كَثيرة حَبسها الخيّرون عَليها، كَما خُصص لها قَيّم أو فرّاش مُهمته الاهتمام بِنَظافة الحُوض وكَنسه وغَسله ومُتابعة سَقى الدَواب وَمَلء الحُوض بَالمَاء بِصفة دَائمة، وَمُساعدة النَاس للإستفادة مِن مَاء الحُوض.

  • حملت بَعض سُور القُرآن أسماء حَيوانات لِلدلالة عَلى اهتمام الإسلام بها .

أشهر أحواض السقي
ومِن أشهر أمثلة أحَواض سَقي الدوابِّ؛ الحَوض الذي أوقفه السُلطان الأشرف أبو النصر قَايتباى بِقَرافة المَماليك بِالقَاهرة (879هـ/1474م)؛ لتَشرب مِنه الدَواب أثناء سَيرها وَتَستريح مِن السَير في وتَستَظل فيه مِن أشعة الشمس(3)، ويتكون حوض السلطان قايتباى من ايوان كبير ذو مساحة مستطيلة سَقفها مُسطح، ويَتصدرها حَوض كَبير يُملأ بالماء عَن طَريق قَصبات مُغيبة أسفل الأرض تَنقل المِياه مِن مَصدرها الأصلي بِواسطة سواقي إلى الحُوض.

  • لم تصل أحواض سقي الدواب في المشرق والمغرب مستوى فخامة الأحواض في القاهرة !

الأحواض في المشرق والمغرب
كَما عُرفت أَحواض سَقي الدُواب كَذلك في مَشرق العَالم الإسلامي وَمَغربه، إلا أنها لَم تَصل فِي الفَخامة إلى مُستوى أحواض سَقي الدَوُاب بالقاهرة؛ حَيث تَحتفظ بتُركيا بِنَماذج مِن أحواض سَقي الدَواب التي تَرجع للعَصر السُلجوقي، وَمِن أَمثلتها الحُوض المُلحق بِمَدرسة شَلبي سُلطان فِي مِيدان مِيرزافون.

بلاد المغرب
كَما عَرفت بِلاد المَغرب أيضاً هَذه الأحواض وجَاءت مُلحقة بالمساجد وَقَد تَكون مُنفصلة عَنها، وَكَان يَتم تَزويدها بِالمياه مِن أَحواض الأَسبلة أو السقّايات عَن طَريق أقصاب فُخارية، تَصب في أحواض سِقاية الدَواب وتَتخذ شَكلاً معمارياً عِبارة عَن دخلات عميقة صغيرة وتُوجد في أسفل هَذه الدَخلات في أرضية السقاية أحواض عميقة أخري ليسهل الشرب منها(5).

هوامش
1- مدرس بكلية الآثار الإسلامية ، كلية الآثار ، جامعة الفيوم
2- علي يوسف المحمدي ، الرفق بالحيوان في ضوء الكتاب والسنة ، جامعة قطر ص 193 .
3- للمزيد من النظر ، محمد الششتاوي ، منشآت الرفق بالحيوان في مدينة القاهرة في العصرين المملوكي والعثماني ، رسالة دكتوارة ، كلية الآثار ، جامعة القاهرة 2001 .
4- للمزيد عن أحواض سقي الدواب انظر، سعاد محمد ماهر ، أحواض سقي الماء خلال العصرين المملوكة والعثماني بالقاهرة ، مجلة الأثريين العرب ، القاهرة ، ص 55- 86 .
5- غزوان مصطفي ياغي ، منشآت رعاية الحيوان في العمارة الإسلامية – مجلة المعرفة : العدد 586 ، تمور 2012 ص 199-200 .

لمزيد من التفاصيل :

تراثنا في عددها رقم 69
تراثنا في عددها رقم 69

تابع عدد تراثنا رقم 69 مارس/أبريل 2019

(ص32-ص35)

زيارة الصفحة الرئيسية تراثنا

التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء ادناه 

اترك تعليقاً