• Post published:10/11/2019

رحلة محب الدين الخطيب إلى القسطنطينية (3)

 

العمران في دولة الخلافة العثمانية
العمران في دولة الخلافة العثمانية

 

تراثنا _ التحرير :

 

أدب الرحلات ، يمثل مرتعاً خصباً ينقل الكاتب عبر قلمه ما رأته عيناه ، وما جاش في صدره إلى القارئ ، عن ربوع بلاد لم يسبق له زيارتها ، وثقافة أناس لا سابق معرفة له بهم .

 

في كتابه الثري بالتاريخ والأحداث والمشاهدات (رحلات الأمام محمد رشيد رضا) 1865 -1935م .. ينقل الشيخ أحداث ومشاهدات لزيارات شملت بلدان عدة منها سورية ورحلته الى القسطنطينية ورحلته إلى الهند وبلاد الحجاز والى اروبا .

 

 

محمد رشيد رضا بعد هجرته إلى مصر 1327 هجرية
محمد رشيد رضا بعد هجرته إلى مصر 1327 هجرية

 

  • يؤخذ على الاستانة خلوها من آثار العمران القديم للسلاطين السابقين الذين دوخوا العالم !

  • عسى الله أن يسخر من يعمر الأستانة ، لا بقرض ريوي من الاجانب ليبسطوا سيطرتهم عليها !

  • التعليم في الاستانة أعم وأشمل من مصر وسورية والنساء فيها أسمى وأنبل !

  • لا ترى أمرأة في نافذة ولا على سطح إلا أن تكون مستورة البدن والرأس .

  • يقال أن أحمد رضا بك يريد أن يربي بنات المسلمين في  مؤسسة تربية الإفرنج ..فابشر في فساد البلد !

 

اللبس المحتشم الشرعي في شوارع تركية الدولة العثمانية
اللبس المحتشم الشرعي في شوارع تركية الدولة العثمانية

 


وفي السطور التالية ، تم استلال بعض السطور المنتقاة من رحلته إلى اسطنبول  في جزئها الثالث، و بالأخص منها مقارنته بين الأستانة وبعض الدول العربية من حيث الرقي والحضارة والعمران ، وتأثير الحضارة على الآداب عند المرأة التركية والعربية والرجل، وتأثرها بالغرب.

 

محمد رشيد رضا سنة 1318هجرية (كتاب الرحلات ) .
محمد  رضا 1318هجرية-كتاب رحلات 

يبدأ الأمام محمد رشيد رضا :” يرحمه الله ” فقرته قائلا : موقع هذه المدينة مشهور- الاستانة – في جماله ومحاسنه الطبيعية ، ولو كانت هذه الدولة التي استولت عليها من عدة قرون دولة عمران ومدنية لجعلتها زينة الأرض ومثابة الأمم .

 

ولكان لأهلها من السائحين مورد من أغزر موارد الثروة ، ولكنك لا تجد فيها أثراَ من آثار العمران القديم للسلاطين السابقين ، الذين دوخوا الدول إلا المساجد ، ولا شيئا يعتد به من آثار العمران الحديث إلا المعسكرات والثكنات والمدارس ، فصوفية عاصمة البلغار ، وأثينا عاصمة اليونان، والقاهرة عاصمة مصر، كل أولئك أرقى من عاصمة الدولة “العثمانية” عمراناً .

 

فالأستانة موقع جميل ، ومعسكر كبير ، لا تغيب الجنود عن عينيك فيها دقيقة من الزمان ، فعسى الله أن يسخر لها الرجال الذين يعمرونها بعمران المملكة ، لا بالاستقراض من الأجانب بالربا التي يجعلها تحت سيطرتهم ، وعرضة عند الحوادث لمداخلتهم .

 

انتشار الرشى والسلب

 

أما العمران المعنوي وهو العلم والأدب ، فلها حظ منه تفضل به مصر وسورية ، وهو أن التعليم فيها أعم وأشمل ، وتربية النساء فيها أسمى وأنبل ، ذلك بأن أموال المملكة كانت تجبى إليها ، حتى لا يبقى في كل ولاية إلا الضروري الذي لا يمكن الاستغناء عنه مع إباحة الرشوة والسلب والنهب ، فكثرت فيها المدارس للذكور والإناث …على أن الآداب الاسلامية الموروثة لا تزال أقوى في بيوت هذه المدينة منها في بيوت مصر .

 

 

الجيش االعثماني في وضعية اصطفاف
الجيش االعثماني في وضعية اصطفاف

 

النساء التركيات مستورات

 

فلا ترى أمرأه في نافذة ولا على سطح إلا أن تكون مستورة البدن والرأس ، كما تكون في السوق ، ولا تسمع من البيوت ولا في الأسواق ، صخباً وضجيجاً ولا هجرأً من القول ، كما تسمع في اسواق والشوارع ، ولا يتبرجن بمصر إلا في بعض المواسم كأصال أيام رمضان في جهة الشاه زاده ، وإلا في بعض الضواحي حيث يسرحن ويمرحن متنزهات مظهرات لزينتهن ، على أن الكثيرات منهن يسفرن عن وجوههن في الأسواق والشوارع ولكنهن مع ذلك يغضضن من أبصارهن كما أمر الله تعالى .

 

بالعباءة والقناع

 

وإذا خرجن في الليل من دار إلى دار، يخرجن بالجبة أو العباءة العربية المعروفة ، وبالقناع الأبيض وذلك يكون زيهن الغالب في المتنزهات .

 

لبنان في حقبة الخلافة العثمانية
لبنان في حقبة الخلافة العثمانية

التربية القديمة افضل 

 

ويلخص الأمام رضا الموضوع بالقول : فجملة القول أن آدابهن حسنة في خروجهن في الأسواق والشوارع وبيوتهن نظيفة مرتبة ، ولأولادهن حظ عظيم من النظافة والآداب ، ويقول المختبرون من أهل البلد ومن الغرباء المقيمين فيه ان آداب غير المتعلمات أو المعلمات على الطريقة القديمة منهن أعلى أخلاقاً ، وأقوى عفة ، وأبعد عن الريبة من المتعلمات على الطريقة الحديثة الافرنجية ، وهن أشد عناية بالنظافة أيضا، فالتفرنج في البيوت هو الخطر الأكبر الذي ينذر البيوت الإسلامية بالفساد ، في هذا البلد وغيره من البلاد .

 

بشرى بالخراب !

 

ويقال أن أحمد رضا بك رئيس مجلس المبعوثين يريد أن يربي بنات المسلمين في المدرة ( مؤسسة ) التي يسعى في إنشائها مع بنات الإفرنج والأرمن تربية ليس لها من صبغة الدين شيء !! فإذا تم هذا المقصد فبشر بيوت هذا البلد بالخراب المعنوي والفساد الذي لا يفوقه فساد .

 

إن عِلم النساء المسلمات في الاستانة دون علم الأوربيات ،ولكن تربيتهن الدينية والأدبية أعلى من تربية الأوربيات ، كما شهد بذلك غير واحدة من هؤلاء بعد الاختبار التام ، ومنهن من صرحت بأن التفرنج آفة مفسدة لنساء الترك .

 

الدين أساس التربية

 

نعم أنه يمكن أن تترقي معارفهن وآدابهن ولكن يجب أن يكون الدين هو أساس التربية وأن تكون العناية به فوق العناية بالعلم وليس في أوربا شعب يربي البنات على الألحاد او ترك الدين ، أن اثبت الشعوب العربية مدنية هو أشدها عناية بتربية النساء والأطفال تربية دينية .

 

الاتراك يخلفون الوعد

 

وفي موضع آخر في نفس سياق المقال ينتقل الأمام رضا للحديث عن آداب الرجال في اسطنبول فيقول : وآداب الرجال العمومية حسنة كآداب النساء ، فلا تكاد تنكر على رفيع لا وضيع قولاً خشناً ، ولا كبراً وترفعاً ، ولكنك كثيراً ما تنكر عليهم إخلاف الوعد وما في معنى الاخلاف ، حتي يقل أن يثق المختبر بقوله يسمعه وسبب ذلك تأثير الاستبداد الشديد ، وما كان من الضغط والمراقبة على عهد عبدالحميد ، فذلك هو السبب الطبيعي لفشو الكذب والأخلاف والتقلب في كل الأمم ، ولهذه العلة كثر الكذب والاخلاف والتقلب وعدم الثبات في جميع البلاد العثمانية ، كما كثر ذلك من قبل في مصر..

 

أعضاء المؤتمر لسوري الفلسطيني في جنيف في صيف 1922 في الصف الاول من اليمين : الأمير شكيب ارسلان ، توفيق حمادة ، ميشال لطف الله ، الشيخ محمد رشيد رضا ، وفي الصف الثاني من اليمين : احسان الجابري ،رياض الصلح ، نسيم صبيغة ، شبلي جمل ، أمين التميمي ، صلاح عز الدين ، وممثل الجاليات العربية البرازيلية ( كتاب الرحلات )
أعضاء المؤتمر لسوري الفلسطيني في جنيف في صيف 1922 في الصف الاول من اليمين : الأمير شكيب ارسلان ، توفيق حمادة ، ميشال لطف الله ، الشيخ محمد رشيد رضا ، وفي الصف الثاني من اليمين : احسان الجابري ،رياض الصلح ، نسيم صبيغة ، شبلي جمل ، أمين التميمي ، صلاح عز الدين ، وممثل الجاليات العربية البرازيلية ( كتاب رحلات )

 

 مقارنة بين الاستانة و بلدان عربية

 

ثم ينتقل الأمام محمد رشيد رضا إلى مقارنة الرقي في أوجه عدة بين الاستانة و بلدان عربية مثل مصر ولبنان وسورية وسواها ، ويبدي ملاحظاته ، موضحاَ على سبيل المثال والإيجاز : ” فالاستانة لا تفوق سورية إلا بكثرة عدد المتعلمين من الرجال والنساء بالآداب الاجتماعية” و ” ليس أرقي في العمران من بيروت ولا في العمران الحديث من بيروت ولا في العمران القديم من دمشق ” و ” ليس النابغون من اهلها كالنابغين من سورية في العلوم الإسلامية ولا في الفنون والعلوم الاوربية ولا في الأدبيات و لا في التجارة والزراعة ” ..الخ

 

كاتب وكتاب 

 

كتاب الرحلات للأم محمد رشيد رضا
كتاب الرحلات للأمام محمد رشيد رضا

 

كتاب (رحلات الأمام محمد رشيد رضا) جمعه وحققه د . يوسف إيبش صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت (الطبعة الأولى ) يوليو من عام 1971 ، ويقع الكتاب في 395 صفحة من الحجم الوسط ( منتقى من مكتبة الشيخ عبدالله الخضري – رحمة الله عليه ) قسم المكتبات الأهلية التابعة لمركز المخطوطات والتراث والوثائق .

 

تواصل مع تراثنا 

اترك تعليقاً