• Post published:27/10/2019

الحلقة الأولى

مخطوط السيرة النبوية لابن هشام.. مزورة !

 

 

تراثنا – أ. حسني عبد الحافظ :

 

من الاشكاليات الخطيرة التي يمكن ان تشوه ذاكرة الأمم والشعوب ، وتحدث خللاً فعلياً في المسار التاريخي للمنظورات الحضارية ، إشكالية تزييف المخطوطات ، التي لم يسلم منها اي تراث مخطوط لأمم وشعوب الأرض قاطبة ، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة *

 

وقد نال تراثنا العربي جانباً من هذه الإشكالية ، إلا أنه أمكن الكشف عن جل المخطوطات التي اصابها التزوير والتزييف ..في هذه الدراسة نلقي الضوء على إشكالية تزوير المخطوطات ونتعرف على سبل الكشف عنها .

 

 

أ . حسني عبدالحافظ

الباحث حسني حافظ  :

  • نال تراثنا العربي جانباً كبيراً من إشكالية تزييف المخطوطات إلا أنه أمكن الكشف عن جلها .

  • التزوير قد يطال زمن المخطوط الحقيقي ، أو تبديل جلد المخطوط وبعض أوراقه واستبداله بمؤلف وعنوان آخر !

  • المحو احدى وسائل التزوير باستخدام وسائل كيميائية أو الكشط بما لا يترك أثر ظاهر للعين .

  • احدى وسائل التزوير أن يؤخذ مجلد ضخم ويفكك إلى عدة كتب ورسائل ويجلد كل منها مستقلا !

  • بعد ان كان مخطوط رباعيات الخيام مصدر  فخر واعتزاز لجامعة كمبردج..اتضح أنه مزور باتقان !

 

طرق ووسائل حفظ المخطوطات من عوامل التلف
طرق ووسائل حفظ المخطوطات من عوامل التلف

تجدر الإشارة بادئ ذي بدء ، إلى أن المخطوط من المنظور المادي يتألف من :
صفحة العنوان، المقدمة والاستهلال ، الفصول والعناوين الفرعية ، الخاتمة ، الهوامش ، علامات الترقيم ، الاختصارات ، مسطرة الخطوط ، التصويبات والتصحيحات ،بيانات التوثيق ، المتمثلة في التمليكات والقراءات والمطالعات ، والصور والرسوم ، الزخارف والتذهيب ، التجليد ، العلامات المائية .

 

التزوير لغة : هو ” تزيين الكذب ” أورد ذلك الجوهري في الصحاح ،والزمخشري في أساس البلاغة ، وأضاف الصاحب ابن عباد في محيطه اللغوي ” زوت الشيء أعوجته ، وأملته عن جهته ” .

 

واصطلاحاً : هو تغيير الحقيقة ، بقصد الغش في محرر أو وثيقة ، تغييراً من شأنه أن يترتب عليه ضرر على الآخرين ، والتزوير عند الفقهاء هو : ” الكذب المكتوب ” .

 

طريق تزوير المخطوطات
وثمة طرق بعينها ، هي الأكثر شيوعاً في تزوير المخطوطات : الأدهم ، د . عمر : تأمين الوثائق والمستندات /138 ) ، يمكن تصنيفها إلى :
تزوير مادي جزئي : ومنه التزوير بتغيير الحقيقة أثناء النسخ ، حتي يقزم الناسخ بوضع ذات التاريخ الموضوع أساساً في نهاية المخطوطة التي ينسخها ، وهو بذلك لا يراعي الفارق الزمني بين أصل المخطوطة ونسختها ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، فهناك مخطوطات وُضعت في الأصل إبان القرن الخامس الهجري ، ثم أعيد نسخها غير مرة في القرون التالية ، إلا أن الناسخين سجلو تاريخ نسخه الأصل .

 

التزوير باستخدام ورق معتق : حيث يقوم المزور بتفكيك المخطوطة ، واستبعاد بعض أوراقها ، ووضع الأوراق المعتقة مكانها ، كصفحة العنوان ، او الخاتمة ، بعنوان جديد واسم مؤلف آخر .

 

التزوير بالمحو : ولا يستعمل إلا في المخطوطات المدونة على ألواح رق ، أو ورق صقيل جداً ، ويستخدم منه المحو العادي ( بالأصبع ) ، أو المحو بالكشط ، أو بالوسائل الكيميائية والميكانيكية ، التي لا تترك أثراً ظاهرياً تدركه العين المجردة .

 

 

التزوير بالإضافة على البيانات الأصلية .

 

التزوير بإعادة التجليد : بأن يؤخذ مخطوط ضخم ، يشمله الأصل مجلد واحد ، ثم يفكك إلى عدة كتب ورسائل ، كل منها يجلد تجليداً مستقلاً .

 

التزوير بوضع تملكات ، أو أختام مزورة .

 

تزوير مادي كلي : وذلك باصطناع مثيل للمخطوط الحقيقي ، ومن الأمثلة الدالة على ذلك ، مخطوط لرباعيات الخيام ، وكانت مكتبة جامعة كمبردج تحتفظ به ، وظل مدعاة فخر وإعتزاز لهذه المكتبة زمناً طويلاً ، إلا أنه حين اخضع للفحص الدقيق ، تبين أنه ليس مخطوطاً أصلياً ، بل مزوراً بشكل متقن ، وكذلك الحال بالنسبة لمخطوط السيرة النبوية لابن هشام ، والذي كان مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، قد ابتاعه من أحد تجار المخطوطات ، وحيث اخضع للفحص من قبل فريق تقني ، أشرف عليه الخبير في علم المخطوطات قاسم السامرائي ، تبين ان المخطوط ليس أصلياً ، وإنما مزوراً ، وأن عملية التزوير حديثة العهد ، حيث لا تتجاوز المائة سنة الماضية ..وبحسب قاسم السامرائي فإنه أمكن التوصل إلى كشف التزوير ،وتحديد الوقت الذي تم فيه من خلال :

 

• فحص نوعية الورق الذي ثبت أنه لا يرقى إلى القرن الثالث الهجري ، لأن الورق أبيض ، وقد صُبغ عمدا بمادة صفراء ، كما أن نوعية الحبر المستعمل ليست من الانواع المعروف في القرن الثالث ، بل هي أحدث عهداً ، وكونها سريعة الذوبان في الماء .

• لم يعهد في الكتب التي وصلتنا من القرن الثالث الهجري ، أن تكون مكتوبة بالخط الكوفي اليابس ، حيث ان استخدام هذا الخط كان قاصراً على كتابة المصحف الشريف .

• إن مخطوطات القرن الثالث ، وما تلاه إلى السادس الهجري ، كانت تتبع ما يُسمى تقسيم الأجزاء الحديثية ، أي أن الكتاب كان يُقسم إلى أجزاء صغيرة ، ويُعاد عنوان واسم المؤلف والقراءات في كل جزء ، بينما المخطوط الذي قمنا بفحصه ، أتى خالياً من هذا التقسيم ، وهذا غير معهود في المخطوطات القديمة ،

 

وأيضا من الأمثلة المتعلقة بالتزوير الكلي للمخطوطات ، الحادثة الشهيرة التي أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء ، وقام بها الوزير الخطاط ابن البواب ، حيث صور جزءاً من القرآن الكريم بخط ابن مقلة ، ثم راهن بهاء الدولة البويهي ، أن يكتشف الجزء المزور ، من بين الأجزاء الثلاثين التي قدمت إليه ، فلم يستطع ، حيث تمكن ابن البواب من تزييف الخط والحبر والورق والجلد و التذهيب ، بشكل لم يمكن بهاء الدولة من كشف هذا الأمر .

 

طالع الجزء الثاني : ( سبل الكشف عن عمليات التزوير 2/2)

 

تراثنا العدد 40 سبتمبر 2009
مجلة تراثنا العدد 40 سبتمبر 2009

 

*تم نشر التقرير في عدد تراثنا رقم (40) بتاريخ سبتمبر/ اكتوبر 2009م

 

تواصل مع تراثنا 

المقالة تحتوي على 3 تعليق

  1. ليث نعمان

    كم عمر اقدم نسخة مخطوطة حقيقية لسيرة ابن هشام؟ سأكون شاكرا لو تلقيت رداً على الايميل

    1. محرر تراثنا

      نود أفادت اخي الكريم ليث نعمان بأن أقدم نسخة مصورة متوفرة لدينا هي بتاريخ مسجل متوفر لدينا هو (747 هجرية ) من المكتبة البريطانية ، وقد تتوفر نسخ أخرى في البرنامج بغير مسمى ( سيرة ابن هشام ) مما يصعب الحكم بشأنها .

  2. محمد حربي العازمي

    معلومات مهمة وجميله

اترك تعليقاً